الأحد، 23 مارس 2014

البلاغة(1) الفصل الدراسي الخامس _ المستوى الثالث _دراسات اسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة سنار كلية العلوم الإسلامية والعربية
قسم الدراسات الاسلامية
مقرر :بلاغة(1)
المدخل إلي علوم البلاغة
المستوي الثالث ــ الفصل الدراسي الخامس
إعداد :
د.نميري سليمان علي

بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة سنار
كلية العلوم الاسلامية والعربية
قسم  الدراسات الاسلامية
المستوي الثالث ــ الفصل الدراسي الخامس
اسم المقرر المدخل لعلوم البلاغة                      ساعات المقرر:ساعتان اسبوعيا
اهداف المقرر:
ـ الوقوف علي تاريخ نشأة البلاغة وتطورها .
*وصف المقرر:                                             
  يعني هذا المقرر بدراسة تاريخ البلاغة :نشأتها وتطورها واكتمالها ، ودراسةً مفصلةً لإبراز علمائها .
المفردات :ـ
 ـ تاريخ البلاغة وفيه البلاغة منذ نشأتها في العصر الجاهلي وتطورها في عصر صدر الاسلام وبني امية .
ـ البلاغة في العصر العباسي ودور العلماء اللغويين كابي عبيدة ، والمعلمين كالجاحظ .
ـالبحث البلاغي نشاته وتطوره
ـدراسة علم البيان ومباحثه(التشبيه،الحقيقةوالمجاز،الاستعارة،الكناية)
المصادروالمراجع
1ـ مفتاح العلوم للسكاكي .
2ـ سر الصناعتين لابي هلال العسكري .
3ـ البديع لابن المعتز .
4ـ دلائل الاعجاز لعبد القاهر الجرجاني.
5ـ سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي .
6ـ العمدة لابن رشيق القيرواني .
7ـ الايضاح للخطيب القزويني.
8ـ المثل السائر لابن الاثير.
9ـ نشأة البلاغة وتطورها د. شوقي ضيف.
10ـ البيان والتبين للجاحظ.
  تقويم المقرر
ـ حضور 10%.
ـ اعمال السنة 15%.
ـ الامتحان 75%.








بسم لله الرحمن الرحیم
مقدمة :                                                           
لم تُوَلد البلاغة بوصفھا علًما ھكذا مكتملة القواعد والأصول، بل كانت في أول العھد بِھا مجرد نظرات ذوقیة متناثرة نوافق إرھاصاتِھافي بعض ملاحظات شعراء ما قبل الإسلام في تثقیف شعرھم ونقده،وصحابته  في موقفھم من الشعر وبیان   وفیما روي عن رسول لله وظیفته  في ظل الدین الجدید، كما نستطیع الوقوف على أولیَّات البحث ا لبلاغى في تحلیل حَّذاق النحاة القدامى لتراكیب العربیة ووضع القواعدالضابطة لحركة التعبیر بِھا، وفي جھود المتكلمِّین والُمَفِّسرین وھم بصدد تفسیر القرآن الكریم، وبیان أوجه  إعجازه.
وقد اتفق للعلماء شيٌء من تلك المعاییر البلاغیة في مراحل باكرة من تاریخ ھذا الفن، ثم تنامى الاھتمام بِھا على مستویات متآخذة، أسھم في صیاغتھا ورعایتھا آنذاك بیئات علمیة تحسبھا مختلفة المشارب،ولكنھا على أیة حال متآلفة على ھدف دینى جلیل ھو فھم لغة القرآن الكریم ومحاولة إدراك مرامیه ، وبیان أوجه  إعجازه التي تفَّرد بِھا عما سواه من صنوف الكلام، وبزغ من خلال تلك الآفاق نجم البلاغةالعربیة.
فكان أن تناول العلماء بالبحث خواصَّ تراكیب الكلام من حیث تقدیمه  وتأخیره، وذكره وحذفه ، وتعریفه  وتنكیره، وإخباره وإنشاؤه،وقصره وإطلاقه  وفصله  ووصله ،  وإیجازه وإطنابه ، وأفادوا في كل ذلك بمنھاج اللغویین والنحاة من لدن سیبویه  (ت 180 ھ). وقد حاولوا إتمام ھذه الإفادة بمبحث فٍّذ في بلاغة العربیة؛ إذ دأبوا على البحث في أحوال اللفظة المفردة، وھي اللبنة الأولى التي تتشَّكُل منھا الجملةوالجمل والأسلوب، فبحثوا في العلاقة بین مبناھا ودلالتھا، وموقعھا من التراكیب، وموافقتھا للغرض الذي سیق له  الكلام، واشترطوا لفصاحةالكلمة والكلام والمتكلمِّ شروًطا بعضھا نسبي یرجع إلى أذواق المتلقیِّن بحسب اختلاف الأعصر والثقافات، ویرجع بعضھا الآخر إلى عناصرثابتة في طبیعة اللغة بنحوھا وصرفھا، ثم جعلوا ذلك فیما بعد مقدمةأولیَّة واجبة لتحلیِل النصوص ونقدھا.
وقد تزامن مع بحثھم في خواصّ التراكیب مباحث أخرى لصیقةالصلة بحقل الدلالة بین الحقیقة والمجاز، مما یتدارسه  أھل اللغة وأصول الفقه  كذلك، فطفق البلاغیون یتجاذبون إلى بحثھم مسائلھا وتفریعاتھا ،  ویتخذوَنھا مھادًا لتناول الطرائق التعبیریة التي ترَّتبتْ علیھا من تشبیه  ومجاز وكنایة وتعریض، مما شاع في كتاب العربیة القرآن   الكريم  ،وحدیث رسول لله (ص)،وآداب القوم  شعره ونثره، بوصفها هي الأخرى وسائل تُسھم مع غیرھا في تشكیل الصورة الأدبیة، وتتفاوت في درجة الإیضاح والتأثیر.
وَثَّمة وسائل بلاغیة أخرى عنوا ببحثھا، وكانت قد تَمَّخضت من مقدرة المبدع على التوفیق بین المتقابل أو المتناسب، إّما في المعنى بغرض توفیته  وتأكیده، وإما في اللفظ بغرض استجلاب التناسب الإیقاعي الذي یجاذب النفوس وُیؤِّثر فیھا.
كل ھذه العناصر مجتمعة ھي التي یتشَّكل منھا النصُّ الأدبي، وقد كان العلماء الُأول یتدارسوَنھا متآلفة تحت أي مصطلح من تلك المصطلحات: البلاغة أو البیان أو البدیع، وھي وإن اختلفت أسماؤھاومدلولُاتھا من الوجھة اللغویة، فلم یكن ھناك خلاف حول مسَّماھاومحتواھا الذي یضم وسائل التعبیر المتنوَعة، ویترادف في الدلالةعلیھا، لم یماِر في ذلك أحد - فیما نعلم - إلا مراًء ظاھًرا.
ظلت البلاغة وھي على تلك الھیئة المتآلفة في البحث والتحلیل حینًا من الدھر امتدَّ في التاریخ قرابة خمسة قرون، وھي على تلك الھیئة المتآخذة في البحث والتحلیل، وإن بزغ خلال تلك الفترة إرھاصات تجنح نحو تفریع عناصر البلاغة وتحدید مباحثھا.
ثم أتى على البلاغة حین آخر من الدھر عمد فیه  علماؤه عمًدا إلى تشقیق عناصرھا وتحدید مسائلھا، وأوغلوا في ذلك إیغالًا؛ فجعلواخواصَّ التراكیب التي سماھا عبد القاھر بمعاني النحو من مسائل علم المعاني، فَفصلوا بذلك النحو عن معانیه . كما خصُّوا ما یقع تحت مبحث الحقیقة والمجاز من التشبیه  والاستعارة والكنایة بعلم البیان، ثم آثروا وسائل توفیة المعنى والإیقاع بمصطلح البدیع، وقد تبلور ھذاالتقسیم على ید السكاكي (ت 626 ھ) في كتابه  مفتاح العلوم، ثم اتضحت فیما بعد معالمھا  على ید القزویني (ت 739 ھ) وشراح تلخیصه .
ومما یستلفت النظر ھھنا أن معظم مؤِّرِخى البلاغة یُحِّملون ا لسكاكي وحده وْزَر ھذه الفَعَلة وأوشابِھا التي لم تكن یوًما في حسبان الرجل أو من مقصوده؛ حیث فقد ھدانا استقراء تاریخ العلم إلى أن السكاكي لم یكن بدعا فیما ذھب إليه ، بل وجد في تراث سلفه  مھاداًیتھدي به  في مذھبه ، وُیْسلمِه  إلى سبیل معھود في تقسیم البلاغة،وتحدید معالم كل قسم من أقسامھا، بوصفھا معاییر صالحًة لتربیةالأذواق، والحكم على مدى فنیة العمل الأدبى، وقد فعل ما فعل بوازع من النھج التعلیمى الذي ساد عصره، واقتضته  طرائق القوم في المعرفةآنذاك.
نقول ذلك ونحن نسترجع ما یترَّدد على الأذھان منذ أمد؛ إذ تتابع جمھرة من المحدثین([ 1]) على وَصْم مذھب السكاكي بالعقم والجمود؛لجفاف الطریقة المنطقیة التي توَّسل بِھا في تحدید المعالم، مما نأيب البحث البلاغي عن رحابة الطریقة الأدبیة التي كانت تُعنى بالإكثارمن النصوص، وبیان مرجع الافتنان فیھا، إلى حصره في إطار تقریرالقاعدة وَسوق الشواھد المتوارثة علیھا عادة من غیر تحلیل یكشف عن مرجع البلاغة فیھا، فضلًا عما أوھم بھا  تقسیم البلاغة من تمزیٍق لأوصالھِا، وَتھمیشٍ لبعض عناصرھا.
وفي ظني أن نقد متجه  السكاكي الذي یلمز به  بعض الباحثین بلاغتنا، ویتذاكره معظمھم لأدنى ملابسه ، ینبغي ألا یقع على عاتق التقسیم في حِّد ذاته ، إْن كنا نُسلمِّ بداھة بأن تقسیم العلم – مذ كان –لازمة منھجیة یقتضیھا مقام التعلیم والدرس، ویفرضھا تراكم المعرفة في كل آن، بل یحُّق لذلك النقد أن یتجه  إلى نظرة اللاحقین لصنیع السكاكي، وطریقة تناولھِم لفنون كل قسم من أقسام البلاغة، وذلك حین صرفوا جَّل ھِّمھم إلى مجرد التعریف بالفن، وَسوق الشواھد والأمثلة  المتوارثة له ، عادة من غیر تحلیل یكشف عن مرجع البلاغة والافتنان فیھا.
إن النظر المنصف في مقدمة كتابه  (مفتاح العلوم) وغایته ،وطریقته  في التحلیل، یقضى بتبرئة ساحته ، ویعفیه   من ذنوب الذین لم یقرءوه، أو أساءوا قراءته ، وفھموا كلامه  على غیر وجھه ، وكأن السكاكي كان یستشعر موقف ھؤلاء جمیًعا فقال في مقدمته :" وقدضَّمنْتُ كتابي ھذا من أنواع الأدب دون نوع اللغة ما رأیتُه  لا بد منھا،وھي عدة أنواع متآخذة – لاحظ معى دلالة متآخذة – فأودعتھا علم الصرف بتمامه ، وإنه  لا یتم إلا بعلم الاشتقاق المتنوع إلى أنواعھا  الثلاثه وقد كشفتُ عنھا القناع، وأوردتُ علم النحوبتمامه ، وتماُمه  بعلمَي المعاني والبیان، ولقد قضیتُ بتوفیق الله منھما الوطر، ولما كان تمام علم المعاني بعلمي الحد والاستدلال لم أَر بُدًّا من التسُّمح بِھما، وحین كان التدُّرب في علمي المعاني والبیان موقوفاً على ممارسة باب النظم وباب النثر، ورأیتُ صاحب النظم یفتقر إلى علمي العروض والقوافي،تثنیتُ عنان القلم إلى إیرادھما، وما ضَّمنْتُ جمیع ذلك كتابي ھذا إلابعد ما مَّیزتُ البعض عن البعض التمییَز المناسبَ، ولخصتُ الكلام على حسب مقتضى المقام ھنالك، ومھدَّتُ لكِّل من ذلك أصولًا لائقة،وأوردتُ حَجًجا مناسبة، وقَّررتُ ما صادفتُ من آراء السلف قَّدس لله أرواحھم بقدر ما احتملت من التقریر، مع الإرشاد إلى ضروب مباحثقلتَّ عنایُة السلف بِھا، وإیراد لطائف مْفتَنَّة ما فتَق أحٌد بِھا رْتق أذن"(مقدمة الكتاب: ص 4، مطبوعة الحلبي).
كما أن وضوح تلك الغایة التعلیمیة في نظره جعلته  یُلُّح على أن علم البیان شعبة من علم المعاني لا تنفصل عنھا  إلا بزیادة اعتبار، فھویجرى منھا  مجرى المركب من المفرد، ولذلك آثر تأخیر تناولھا  عن علم المعاني([ 2])، وكأنه  یشیر بذلك إلى أن تقسیم البلاغة لا یُنافي اعتبارالصلات القویة بین فروعھا، بل ینبغي كذلك ألا یوھم بتمزیق أواصرالقربى بینھا.
ومن البديهي  أن كل معارف العربیة تتصل فیما بینھا اتصالًا طبعیا،ًحیث ارتبطت بأواصر القربى أو النسب إلى اللغة، وترَّتب بعضُھا على بعض، حتى صارت البلاغُة ثمرَتھا التي تتمَّخض عنھا جمیعا،ًوتتواشج بِھا تواُشَج الشجرة بجذورھا، وكما تتمَّثل ھذه المعارف اللغویةالمتآخذة في عقل المبدع ووجدانه  حینما یبدع نصّھ، ینبغي أن تتھَّیأ أیضا في عقل ناقده؛ ومن ثم كان على البحث البلاغي أن یتوَّسل في بناء معالمه  بنتائج ھذه المعارف والعلوم، فیسترفد من علم الصرف مثلًا معارفه  عن أحوال اللفظة المفردة من حیث تناغم أصواتِھا،وتجاوب بنیتھا مع مدلولھا في السیاق، ویسترفد من فقه  اللغة تناولھا  تطور الدلالة بین الحقیقة والمجاز، ومن قضایا التضاد والمشترك اللفظي وغیرھما في وقوفھا  على بعض مناحي البدیع، وفوق ذلك یتوَّخى البحث البلاغى معانى النحو في أثناء تحلیله  لخواص التراكیب من حیث التعریف والتنكیر، والذكر والحذف، والتقدیم والتأخیر،والفصل والوصل، والإطلاق والقصر، وخروج الكلام عن مقتضى الظاھر، وغیر ذلك من المعارف التي تُعینھا  على تحلیل النصوص ونقدھا.
وما كان للفصل بین علوم العربیة من جھة، وعلوم البلاغة من جھة أخرى، لیطمس ھذه البدائه ، بل كان تقسیم العلوم استجابًة منھجیة تفرضھا تراكم المعرفة؛ لیسھل بحثُ عناصرھا، وتحصیُل مسائلھا في مقام البحث والنظر حینا،ً أو في مقام التعلیم وتربیة الأذواق حینا آخر،وھذا لا یُوھم بتمزیق الأواصر بین ھذه العلوم، أو یرمى إلى تقطیع أوصال العمل الأدبى؛ فندرسها  طورا من حیث تراكیبھا ، وُنحللِّھا  طوًرامن حیث صوره البیانیة، وطورا ثالثا من حیث مناحى البدیع فیھا ، فذاك نظر قاصر یتجافى  مع الواقع التعبیري في النصوص العالیة، سواٌء في حالة إبداعھا، أو في حالة تلقیھا قراءة وتحلیلًا ونقدا ؛ً إذ ھي تتھَّیأ لنافي كلتا الحالتین كالجسد الواحد الذي تتداعى أعضاؤه على تشكیل صورته  الأدبیة، وإبراز أغراضه  وأثره في النفوس.
وعلى ھدي من تلك الطریقة في التفكیر والنظر، یسیر مذھبنا في بحث البلاغة وتدریسھا، سالًكا بك ما أمكن سُبَل المعرفة المباشرةبطرائق تراثنا في تناول فنون البلاغة وأسالیبھا المتنوعة بوصفھا مجتمعة معاییر صالحة لتحلیل النصوص ونقدھا، وھذه سبیل ستسلمك إلى الالتقاء بنظریة الصورة الأدبیة وبلاغة النص التي انتھي إلیھاالمحدثون على اختلاف مذاھبھم في التحلیل والنقد.
ولا یقف مذھبنا عند سُبل المعرفة النظریة بطرائق الفن التي لا بد من تحصیلھا، بل تَطرق بك سبلًا متنوعة من التطبیق والتدریب،  اخترناھا من أي الذكر الحكیم وحدیث رسول لله  ( ص ) ، والنصوص العالية من آداب العرب، وتتدرج بك ھذه التدریبات من المثال الواحد إلى المثالین، إلى الأمثلة المتعددة، إلى النص الكامل؛ حتى تُعینك على تثبیت المعرفة من جھة، وُتدِّربك على استخلاص العناصر البلاغیة التي تتشَّكل منھا الصورة الأدبیة من جھة أخرى.




نشأة البلاغة العربية ومراحل تطورها
البلاغة كغيرها من العلوم الإسلامية لم تكن وليد ساعة أو يوم وإنما مرت بمراحل عديدة حتى اكتمل نضجها وأصبحت علم مستقلاً قائماً بذاته له قواعده وقوانينه
 .
البلاغة في العصر الجاهلي
عرف العرب بالفصاحة والبلاغة وحسن البيان وقد بلغوا في الجاهلية درجة رفيعة من البلاغة والبيان وقد صوّر القرآن ذلك في آيات عديدة وقوله تعلى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) كما وضح القرآن شدة قوتهم في الجدال والحجاج " ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون "
ومن أكبر الدلائل على أنهم بلغوا في البلاغة درجة عالية رفيعة أن كانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وحجته الدالة على نبوته القرآن , حيث دعاهم إلى معارضته , وتحداهم بأن يأتوا  في بلاغته الباهرة ، وهي بلا شك دعوة تدل بوضوح على تمكنهم ورسوخ قدمهم في البلاغة والبيان ، وعلى بصرهم بتمييز أقدار المعاني والألفاظ وتبيين ما يجري فيها من جودة الإفهام وبلاغة التعبير
وقد وصف الجاحظ العرب بالبلاغة والفصاحة وقدرتهم على القول في كل عرض حيث يقول ( والكلام كلامهم وهو سيد عملهم قد فاض به بيانهم وجاش به صدورهم وقد حفلت كتب الأدب كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والشعر والشعراء لابن قتيبة والموشح في مآخذ العلماء على الشعراء للمزرباني بنماذج عديدة من النقد الجاهلي الذي كان بدور في أسواقهم المعروفة في الجاهلية كعكاظ ، من ذلك أن النابغة كانت كضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها فيقول فيها كلمته فتسير في الناس لا يستطيع أحد أن ينقضها . من ذلك قصته المشهورة في تفضل الأعشى على حسان بن ثابت ، وتفضيل الخنساء على بنات جنسها فثار لذلك حسان وقال له : أنا والله أشعر منك ومنها فقال له النابغة حيث تقول ماذا ؟ قال حيث أقوله :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى  ***    وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق    ***     فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال له النابغة : إنك لشاعر لو أنك قللت عدد جفانك وسيوفك وقلت يلمعن في الضحى ولو قلت يبرقن لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً ، وقلت يقطرن من نجدة دما فدللت على قلة القتل ، ولو قلت يجرين لكان أكثر  لانصباب الدم ، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن تفخر بمن ولدك ، فقام حسان منكسراً .
ومن ذلك أيضاً قصة طرفة بن العبد وهو صبي عندما سمع المتلمس ينشد قوله .
وقد أتناسى الهم عند احتضاره      ***        بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة تكون في عنق الناقة لا في عنق الجمل فقال طرفة : استنوق الجمل , فضحك الناس وسارت مثلاً , ومن ذلك أن العرب عابت على النابغة الذبياني الإقواء الذي في شعره ولم يستطع أحد أن يصارحه بهذا العيب حتى دخل يثرب مرة فأسمعوه غناء قوله :-
أمن آل مية رائح أو مغتدي   ***   عجلان ذا زاد وغير مزود
إلى قوله :
بمخضب رخص كأن بنانه     ***   عنم يكاد من اللطافة يعقد
ففطن النابغة فلم يعد إلى ذلك ، ويروي أنه حين خرج قال دخلت يثرب فوجدت في شعري صنعة فخرجت منها وأنا أشعر العرب .
وتروي كتب الأدب هذا البيت قوله .
زعم البوارح أن رحلتنا غداً    ***      وبذاك خبرنا الغرابُ الأسود
وأنه أصلحه بقوله :- وبذاك تنعاب الغرب الأسود .
وهناك أمثلة عديدة لكننا نكتفي بهذا القدر مشيرين إلى أن العرب في جاهليتهم كانت لديهم ملكة فنية استطاعوا من خلالها معرفة الكلام وتمييز جيده من رديئه .
ولا يخفى أن هذه الملاحظات النقدية كانت تعتمد على الذوق فهي نقد ذاتي لا يقوم على التعليل والتفصيل ، وبمرور الزمن ذكر العلماء لهذه الأحكام والملاحظات النقدية تعليلات تقوم على أسس بيانية ، وتحول هذا النقد إلى نقد بياني ينظر إلى  المعاني والألفاظ على أيدي البلاغيين.



البلاغة في عصر صدر الإسلام
لاشك أن للقرآن تأثيراً عظيماً في نشأة البلاغة وتطويرهما فقد عكف العلماء على دراسته وبيان أسرار إعجازه ، واتخذوه مداراً للدرس البلاغي فاتخذوا آياته شواهد على أبواب البلاغة واعتبروها مثالاً يحتذى في جمال النظم ودقة التركيب .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما نعلم كان أفصح العرب . كما كان شديد الاهتمام والعناية بالشعر والشعراء يحرص على سماعهم والإشادة بشعرهم من ذلك قوله لحسان رضي الله عنه " قل وروح القدس يؤيدك " وقوله عندما سمع قول النابغة الجعدي
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا  ***   وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أين المرتقى ياأبا ليلى : فقال إلى الجنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا فض فوك " .
وقد ظلت وفود العرب تختلف في عهد الخلفاء الراشدين إلى المدينة وتجمعهم أنديتها فيخوضون في شعراء الجاهلية والشعراء والمخضرمين وينظرون في الشعر والخطب ويجرون المفاصلات بين الشعراء والخطباء وقد  كان الخلفاء يخوضون في ذلك ولهم مشاركات في النقد من ذلك ما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه عرض لرجل معه ثوب فقال له : أتبيع الثوب ؟ فأجاب : لا عافاك الله فقال له أبوبكر : علمتم لوكنت تعلمون قل لا وعافاك الله " وقد كانت لعمر وعلي رضي الله عنهما مساهمات في النقد ، فقد كان عمر بن الخطاب من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة من ذلك قوله " الشعر علم قوم لم يكن له علم أعلم منه "
وقوله في زهير " كان لا يعاظل في الكلام " أما علي رضي الله عنه  فقد اشتهر بالفصاحة والبيان , وفصاحته معروفة لا تخفى على أحد ‘ وقد روى أن أعرابياً وقف على علي رضي الله عنه  فقال : إن لي إليك حاجة رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فإن قضيتها حمدت الله تعالى وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله تعالى وعذرتك ، فقال له علي : خطّ حاجتك في الأرض فإني أرى الضر عليك ، فكتب الإعرابي على الأرض إني فقير ، فقال علي : يا قنبر إدفع إليه حلتي الفلانية ، فلما أخذها مثل بين يديه فقال :
كسوتني حلةً تبلى محاسنها     * * *      فسوف أكسوك من حلل الثنا حللاً
إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه    * * *     كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا
لاتزهد الدهر في عرف بدأت به         فكلّ عبد سيجزى بالذي فعلا
فقال عليّ ياقنبر أعطه خمسين ديناراً ، أما الحلة فلمسألتك وأما الدنانير فلأدبك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم .
وبهذا تبين لك أن للخلفاء معرفة بالشعر ونقده ، كما أن ملاحظاتهم النقدية كانت كالجاهلين جزئية فطرية تعتمد على الذوق دون تعليل لها .
هذه الأحكام والملاحظات هي التي استحالت على أيدي البلاغيين من أمثال الباقلاني والرماني والعسكري وعبد القاهر والسكاكي إلى قواعد بلاغية محددة تحديداً علمياً دقيقاً قصد منها الوقوف على وجه إعجاز القرآن البلاغي وتكوين الذوق الأدبي الذي يستطيع إنشاء الكلام البليغ ومعرفة جيدة ويفاضل بينه . وهنا سؤال على قدر كبير من الأهمية لِمَ لم تظفر البلاغة التعليمية بشيء من التدوين في عصر صدر الإسلام مادام أن تدوينها وتعليمها من أمور الدين أو من الأمور التي يحتاج إليها المسلم كما يحتاج إلى معرفة الحلال والحرام ؟
الجواب على ذلك: أن الصحابة والتابعين كانوا يعرفون من القواعد البلاغية التي يقوم عليها إنشاء الكلام الفني والتي كانوا يعتمدون عليها في تمييز الكلام الجيد من الرديء لأنها كانت مركوزة  في طبائعهم لذلك لم يحتاجوا إلى تدوينها على حد قول بهاء الدين السبكي في كتابه عروس الأفراح 1/53.  ويعلل الزركشي صاحب كتاب البرهان في علوم القرآن عدم تدوين البلاغة في صدر الإسلام بأن القصد من إنزال القرآن الكريم تعليم الحلال والحرام وتعريف شرائع الإسلام وقواعد الإيمان ، ولم يقصد منه تعليم طرق الفصاحة ، وإنما جاءت الفصاحة لتكون معجزة ، وكانت معرفتهم بأساليب البلاغة مما لا يحتاج إلى بيان ، بخلاف استنباط الأحكام ، فلهذا تكلموا في الثاني دون الأول  2/132.


البلاغة في عصر بني أمية
في عصر بني أمية كثرت الملاحظات النقدية كثرة عظيمة عملت فيها بواعث وأسباب كثيرة منها تحضر العرب واستقرارهم في المدن والأمصار ، وازدهار العلوم ورقيها مما أدى إلى رقي الحياة العقلية للأمة الإسلامية .حيث أخذوا يتجادلون في جميع شؤونهم السياسية والعقدية فكان هناك الخوارج والشيعة والزبيريون والأمويون ، والمرجئة والقدرية والمعتزلة ، فكان طبيعياً أن ينمو النظر في بلاغة الكلام وأن تكثر الملاحظات البيانية المتصلة بالكلام لا في مجال الخطابة والخطباء فحسب ، بل وفي مجال الشعر والشعراء بل لعل المجال الثاني كان أكثر نشاطاً لتعلق الشعراء بالمديح وتنافسهم فيه .
وفي هذا العصر نشطت حركة النقد سواء في مجال مجالس الخلفاء والولاة أو في الأندية الأدبية كسوق المربد في البصرة وسوق الكناسة في الكوفة حيث كان الشعراء يجتمعون في هذه الأسواق لينشدوا الناس خير ماصاغوه من الشعر .
وإليك بعض الأمثلة التي توضح ذلك:
من ذلك ما يقال من أن ذا الرمة كان ينشد بسوق الكناسة في الكوفة إحدى قصائده فلما وصل إلى قوله :
إذا غير النأي المحبين لم يكد        رسيس الهوى من حب مية يبرح
صاح به ابن شبرمة : أراه قد برح وكأنه لم يعجبه التعبير بقوله لم يكد ، فكف ذو الرمة ناقته بزمامها وجعل يتأخر بها ويفكر ثم عاد فأنشد .
النأي إذا غيّر المحبين لم أجد ....
ومن ذلك أيضاً أنه اجتمع الكميت ونصيب وذو الرمة ، فأنشدهما الكميت ما قال حتى بلغ قوله :
أم هل ظعائن بالعلياء نافعة       وإن تكامل فيها الأنس والشنب
عقد نصيب واحدة : فقال له الكميت ماذا تحصى ؟ قال : خطأك باعدت بين الأنس والشنب .
فنصيب ينقد الكميت لأنه جمع بين أمرين لا يجتمعان في الخارج ولا في الذهن . وهو بما يعرف بمراعاة النظير .
ومن ذلك ما روي عن الحجاج حين أنشدته ليلى الأخيلية قولها :
إذا ورد الحجاج أرضاً مريضةً  ***    تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها  ***  غلام إذا هزّ القناة ثناها
فقال لها الحجاج لا تقولي غلام ، ولكن قولي همام .
لأن لفظ الغلام يشعر بالصبوة والنزق والجهل .
ومن ذلك ما روي عن عبد الملك بن مروان حين مدحه عبد الله بن قيس الرقيات بقصيدة منها قوله.
يأتلق منها التاج فوق مفرقة ***  على جبين كأنه الذهب
فغضب عبد الملك وقال له : قد قلت في مصعب بن الزبير :
إنما مصعب شهابه من الله   ***   تجلت عن وجهه الظلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم وجلاء الظلم وأعطيتني من المدح مالا فخر فيه وهو اعتدال التاج فوق جبيني الذي هو كالذهب في النضارة
ومن ذلك ما روي عن ذي الرمة حين أنشد هشام بن عبد الملك قصيدته التي مطلعها :
ما بال عينيك منها الماء ينسكب فزجره هشام وقال له بل عينيك . فهشام عاب على ذي الرمة قوله لعدم مراعاته المقام ، وهو ما يعرف لدى البلاغيين ببراعة الاستهلال .
ولعلّ في كل ما قدمنا من الأمثلة ما يدل على أن الملاحظات البيانية في العصور القديمة جاهلية وإسلامية لم تغب عن أذهان البلاغيين حين أصّلوا قواعد البلاغة، وهي بحق تعد الأصول الأولى لقواعدهم .


البلاغة في العصر العباسي


تطورت البلاغة العربية وإزدهرت بمجئ الإسلام، ثم ازدادت كما وكيفما باتساع الرقعة الإسلامية ، وما شهدته فى جميع مناصب الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والأدبية.
57 ). ودخل الناس فى دين الله أفواجا واختلطت الأجناس العربية : (أبو الرضا، 1984
بغيرها من الفرس، واحتكت بأجناس من الهند، وغيرهم من الوافدين على الدولة الإسلامية من تجار ودارسين. وتنوعت روافد الفكر من ترجمات ونقولات فى مكان له أثر فى مجال البلاغة العربية، فظهرت الدراسات التى تخدم القرآن الكريم، ودراسات فى الإعجاز القرآنى (19: وغيرها من الدراسات. (أبو على، 1991
وكذلك اشتهر العديد من العلماء فى مجال البلاغة ممن كان لهم باع كبير نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد الله بن المقفع (ت، 143 ه) الذى اشتهر فى الكتابة والتأليف والترجمة وله آراء عظيمة فى البلاغة.
أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى (ت، 210 ه) صاحب كتاب "مجاز القرآن" الفراء وهو أبو زكريا بن عبد الله صاحب كتاب "معانى القرآن" (ت، 207 ه)، الجاحظ (ت، 255 ه) صاحب كتاب "البيان والتبيين" والخطابى (ت، 388 ه) صاحب كتاب "إعجاز القرآن" وغيرهم كثيرون أمثال ابن المعتز، والرمانى، وأبو هلال العسكرى.
وبعد ذلك ازدهرت الدراسات البلاغية ازدهارا كبيرا، فى العصر العباسى الثانى وذلك فى
القرن الخامس الهجرى، وذلك على يد عبد القاهر الجرجانى المتوفى عام ( 471 ه) صاحب كتابى"دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة".
وكذلك هناك الزمخشرى صاحب كتاب "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل" (ت، 538 ه). واهتم الزمخشرى بعلمى المعانى والبيان، وجعل لكل منهما مباحثه الخاصة به. وفى القرن السابع الهجرى اشتهرعلى بن ظافر المصرى، والسكاكى، وابن الاثير، وحازم القرطاجنى.
وفى القرن الثامن، اشتهر الطيبى والزركشى. وفى القرن التاسع، اشتهر النواجى. وفى .(1996 : القرن العاشر، السيوطى. وفى القرن الحادى عشر، يوسف البديعى. (عبد الله 46

البحث البلاغي نشأته وتطوره
بدأ التأليف في علوم البلاغة مع بداية مرحلة التأليف في العلوم الإسلامية في منتصف القرن الثاني للهجرة ، وقد مرت البلاغة عبر رحلتها الطويلة بثلاث مراحل .
المرحلة الأولى : مرحلة النشأة والنمو .
نزل القرآن الكريم ليكون كتاب هدية ودستور حياة يهدي للتي هي أقوم وليكون معجزة للعالمين ودليلاً على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في عصر صدر الإسلام يعتمدون على طبعهم الأصيل في معرفة وإدراك إعجاز القرآن ، كما كانوا يعتمدون على طبعهم وذوقهم السليم في معرفة ضروب الكلام وتفضيل شاعر على آخر .
ثم انتشر الإسلام واتسعت رقعة الدولة الإسلامية وكثر عدد الداخلين في الإسلام أخذت هذه العناصر تمتزج بالعرب امتزاجا قوياً كان له أثره الكبير على اللغة العربية حيث أخذ الذوق العربي ينحرف وبدأت الملكات تضعف والإحساس ببلاغة الكلام يقل . وفشا اللحن على الألسنة . حينئذ ظهر العلماء فقاموا بوضع قواعد النحو والصرف , يدفعهم إلى ذلك حرصهم على لغة القرآن الكريم فظهرت لذلك كتب عديدة اهتمت بالعربية , بالإضافة إلى الإشارة إلى بعض الملاحظات البلاغية التي كانت مبثوثة في تضاعيف هذه الكتب وبذلك بدأت البلاغة رحلتها ، ومن أهم هذه الكتب :
كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة 210 وقد كان أبو عبيدة من أوسع أهل البصرة علماً باللغة والأدب، والنحو، وأخبارها وأيامها.
سبب تأليفه لهذا الكتاب:  تروي كتب الأدب أن الفضل بن الربيع وزير الرشيد استقدم أبا عبيدة من البصرة لحضور مجلسه, فلما حضر إلى المجلس، سأل إبراهيم بن إسماعيل الكاتب أبا عبيدة عن قوله تعالى ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله ، وهذا لم يعرف , فقال أبو عبيدة إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم أما سمعت قول أمريء القيس
أيقتلني والمشرفي مضاجعي  ***   ومسنونة رزق كأنياب أغوال .
وهم لم يروا الغول قط ، ولما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به, فا ستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل ، وأزمع أبو عبيدة عند ذلك أن يضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه . وكلمة مجاز ليس المراد بها المعنى الاصطلاحي المعروف عند البلاغيين لهذه الكلمة وإنما تعني الطريق أو المعبر .
فكتاب أبي عبيدة ليس كتاباً بلاغياً وإنما هو كتاب في التفسير حيث فسر فيه الألفاظ القرآنية بما ورد مثلها في كلام العرب , وفي معرض تفسيره لآيات القرآن الكريم نثر بعض الملاحظات البلاغية , وأشار إلى بعض مسائلها كالإيجاز والإطناب والتقديم والتأخير دون تسمية لها ، كما أشار إلى خروج بعض الأساليب الإنشائية عن دلالتها الأصلية إلى بعض المعاني كالاستفهام والأمر والنهي ، كما تحدث عن الالتفات ، والتشبيه وتعرض للمجاز العقلي من غير تسمية له وإنما أشار إلى بعض شواهد ه التي أفاد منها البلاغيون فيما بعد .
ثم جاء بعده الفراء المتوفى سنة 207 هـ ووضع كتابه معاني القرآن , والفراء هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ،كان من أعلم أهل الكوفة بالنحو واللغة وفنون الأدب .
وكتاب معاني القرآن يعالج المشاكل التي عالجها أبو عبيدة غير أن ثقافته النحوية قد ظهرت في كتابه بوضوح ، فهو يشرح بعض ألفاظ القرآن وبعض الأساليب البيانية والتراكيب الإعرابية ويرد كل ذلك إلى مذاهب العرب , وقد نثر في تضاعيف هذا الكتاب بعض الملاحظات البلاغية فقد أشار إلى الإيجاز، وأشار إلى بعض صور الإطناب وبيّن الغرض البلاغي منها ، وتحدث عن التقديم والتأخير ، ولاحظ خروج الاستفهام و الأمر والنهي عن دلالتها الأصلية إلى معان بلاغية , ووقف عند صور المجاز العقلي ومثل له من القرآن ومن كلام العرب دون تسمية له ، كما عرف التشبيه وبيّن أركانه من المشبه والمشبه به والأداة ووجه الشبه ، وعرض للمشاكلة دون تسمية لها .
ثم جاء القرن الثالث للهجرة فكثرت الفرق الإسلامية واشتد الخلاف فيما بينها، وأخذ الإسلام وكذلك العرب يواجه بحملة تشكيك وطعن , واتجهت أنظار الطاعنين نحو القرآن ترميه باللحن وفساد النظم , فانبرى العلماء يدافعون عن العرب والإسلام , ومن بين هؤلاء المدافعين الجاحظ الذي ألف كتابه البيان والتبيين الذي دافع فيه عن العرب ضد الشعوبيين , وفي هذا الكتاب أشار إلى بعض الفنون البلاغية كالاستعارة والتشبيه والكتابة والإيجاز والإطناب .
وعرّف البيان بقوله : " اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير " كما أشار إلى أن البديع من خواص العرب ، ومنه الاستعارة والتشبيه والكناية ، كما ذكر موضوعات أخرى كبراعة المطلع والمقطع والسجع والاقتباس وغير ذلك .
وهذه الفنون البلاغية التي ذكرها الجاحظ مبثوثة في تضاعيف الكتاب لاتوجد إلا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير .
وعلى أيه حال فالجاحظ من الذين أسهموا في وضع أسس البلاغة في هذه الفترة .
ابن قتيبة :- هو أبو محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري 276هـ وهو من تلاميذ الجاحظ والمعاصرين له , ألف كتابه  مشكل القرآن رد فيه على الطاعنين في لغة القرآن وأسلوبه .
وقد تحدث فيه عن العرب وما خصهم الله به من قوة البيان ، وتحدث عن وجوه إعجاز القرآن ، كما أشار إلى المجاز والاستعارة والقلب والاختصار في الكلام والزيادة فيه ، والكناية , ومخالفة ظاهر اللفظ معناه .
ويتميز بن قتيبة عن سابقيه بأنه قد وضع لكل لون من هذه الألوان باباً يخصه، ويحثه في ذلك بحث أدبي ليس فيه التقسيم وتحديد المصطلحات .
المبرد : هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفي في سنة 285هـ ألف  كتابه الكامل في اللغة والأدب وقد نثر فيه كثيراً من مسائل البلاغة , وعقد فيه للتشبيه باباً بدأ فيه بعرض كثير من التشبيهات الرائعة في شعر العرب ، وقسم التشبيه إلى أربعة أقسام هي تشبيه مفرط ، مصيب , مقارب ، بعيد .
كما تحدث عن الاستعارة والكناية والالتفات والإيجاز والإطناب وغير ذلك بعد ذلك أخذت هذه الكتب تميل إلى التخصص من ذلك الكتاب البديع للشاعر الخليفة العباس عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296هـ وكتاب البديع له قيمة كبيرة في تاريخ البلاغة إذ كان خطوة في تطورها وتقدمها وبخاصة في ميدان علم البديع فقد استقل بذكر أنواعه وفنونه , والبديع عنده يختلف عن ما عرف لدى المتأخرين من علماء البلاغة بأنه علم يعرف به وجوه تحسين الكلام وإنما كان البديع عنده عاماً يتناول كثيراً من فنون البلاغة كالاستعارة والكناية والتشبيه والمطابقة والجناس ، وقد دعاه إلى تأليف هذا الكتاب تعريفه الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أنواع البديع .
وقد قسم كتابه إلى قسمين : الأول البديع وحصره في خمسة فنون هي : الاستعارة , التجنيس ، المطابقة , ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها ، والمذهب الكلامي .
الثاني محاسن الكلام والشعر ، وذكر أنها كثيرة لا ينبغي لعالم الإحاطة بها ، وحصرها في ثلاثة عشر فناً منها الالتفات والتعريض والكناية ، والتشبيه وتجاهل العارف والمبالغة والإفراط إلى غير ذلك .
ثم جاء بعده قدامة بن جعفر المتوفى سنة 337 هـ الذي ألف كتابه نقد الشعر بين فيه أن الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب هو تقصير العلماء وقعودهم عن التأليف في النقد ووضع كتاب فيه مع أنه أهم علوم الشعر وأولاها بالعناية .
ثم لما اشتدت الخصومة النقدية بين العلماء حول بعض شعراء العربية ظهرت كتب نقدية توازن بين هؤلاء الشعراء من ذلك كتاب الموازنة لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي وزان فيه بين شعر البحتري وأبي تمام ، وكتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي على بن عبد العزيز الجرجاني 366 .
وفي هذين الكتابين إشارات كثيرة إلى بعض الفنون البلاغية  كالاستعارة والتشبيه والكناية والتجنيس والمطابقة .
ثم توالت الكتب والمؤلفات التي تحمل في ثناياها مادة بلاغية ضخمة أفاد منها الإمام عبد القاهر والبلاغيون من بعده في إرساء قواعد البلاغة وبناء صرحها .
منها كتاب سر الفصاحة لابن سنان , وتلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي , وإعجاز القرآن الباقلاني , والنكت في إعجاز القرآن للرماني والعمدة لابن رشيق القيرواني وغير ذلك .
المرحلة الثانية :مرحلة نضج البلاغة واكتمالها
اكتمل صرح البلاغة على يدي الإمام عبد القاهر الجرجاني الذي وضع نظريتي علم المعاني وعلم البيان في كتابيه دلائل الإنجاز وأسرار البلاغة .
فلعبد القاهر مكانة عظيمة في تاريخ البلاغة حيث دوت شهرته  في الآفاق وذلك لما امتاز به عن سابقيه بأنه جمع ما تفرق قبله من علوم البلاغة, واستطاع بذكائه وثاقب نظره وضع قواعد البلاغة وبناء صرحها على أساس متين من الأصول والقوانين التي استقرت بشكل متكامل وفي إطار شامل مدعماً ذلك بالشواهد والأمثلة الكثيرة التي ساقها في بيان عذب وأسلوب بليغ، فلم يكتف عبد القاهر في كتابيه بتعقيد القواعد وتقنينها , بل حرص مع ذلك على ضرب الأمثلة حتى تتضح فنون البلاغة حق الوضوح وتتمثل في الأذهان خير تمثل .
فعبد القاهر هو مؤسس البلاغة الذي وضع أصولها وأرسى قواعدها ولم يحدث بعده أي تغيير يذكر في علم المعاني والبيان لأنه استطاع أن يستنبط من ملاحظات البلاغيين قبله كل القواعد البلاغية فيهما .
ولقد فتن البلاغيون بعبد القاهر وعلمه الغزير فراحوا يرددون كلامه ويقفون عنده ولا يتجاوزنه ، وأصبح لكتابيه مكانة مرموقة جعلت كل من جاء بعده يعتمد عليها ويقتبس من مسائلها ويدور في فلكها لا يحيد عنها .
وعلى كل يعد كتابا عبد القاهر كتابين عظيمين حيث أصبحت فنون البلاغة فيهما ذات كيان خاص , بعد أن كانت قبلها مبعثرة في كتب اللغة والأدب والنقد وإعجاز القرآن ، وقد ضمنهما مؤلفهما علماً دقيقاً غزيراً ,بنى بهما للبلاغة صرحاً عالياً , وأصبح بسببهما إماماً عظيماً .
ثم جاء بعبد القاهر جارالله محمود بن عمر الزمخشري 538 الذي قام بدراسة ما كتبه عبدا لقاهر في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة واستطاع أن يهضم ما فيهما , ويتمثلهما خير تمثيل , وأن يطبق ذلك كله في كتابه الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، الذي اهتم فيه بيان الأسرار البلاغية في القرآن , وبإظهار إعجازه عن طريق بيان وفاء دلالته على المراد مع مراعاته مقتضيات الأحوال , ويكشف ما فيه من خصائص التصوير ولطائف التعبير في البيان القرآني .
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يعد من كتب التفسير فإنه يعد في الوقت  ذاته من كتب البلاغة لأنه مليء بمسائلها ولطائفها .
المرحلة الثالثة : مرحلة التقنين والتعقيــــد :
تبدأ هذه المرحلة بظهور أبي يعقوب يوسف السكاكي المتوفى سنة 626هـ الذي اهتم بالفلسفة والمنطق , فقام بتقنين قواعد البلاغة مستعيناً في ذلك بقدراته المنطقية على التعليل والتعريف والتفريع والتقسيم ، وبذلك تحولت البلاغة على يديه إلى مجرد قواعد وقوانين صيغت في قوالب منطقية جافة باعدت بينها وبين وظيفتها من إرهاف الحس وإمتاع النفس وتربية الذوق وتنمية الملكات .
وقبل السكاكي ظهر فخر الدين الرازي فهو من أوائل من اتجهوا إلى الاختصار والتخليص فهو يعد مرحلة انتقالية , حيث اهتم بإدخال المنطق والفلسفة في علوم البلاغة , حيث قام بتلخيص كتابي عبد القاهر في كتابه نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز .
وشهرة السكاكي تعود إلى القسم الثالث من كتابه مفتاح العلوم الذي جعله لعلم المعاني وعلم البيان وملحقاتها من الفصاحة والبلاغة ، والمحسنات اللفظية والمعنوية , وقد نال هذا الكتاب شهرة فائقة في ميدان البلاغة حيث فتن به العلماء إلي حد جعلهم ينسون أنفسهم وينكرون ملكاتهم , ولهذا ظلوا قروناً عديدة- ابتداء من القرن السابع الهجري والى القرن الماضي - عاكفين على دراسته وشرحه وتلخيصه حتى لكأنه لم يؤلف في البلاغة كتاباً غيره , فاستأثر باهتمامهم وعنايتهم, وقد أخذ رجال هذه المدرسة وعلماؤها يعمدون في دراساتهم البلاغية على النظريات والتقسيمات والقواعد والتعريفات التي أصبحنا نراها شائعة في مصنفاتهم من الشروخ والحواشي والتقارير ونحوها التي صنفت على هدي كتاب السكاكي والقزويني .
فمن الذين قاموا بشرح مفتاح العلوم للسكاكي عدد كبير من العلماء منهم قطب الدين الشيرازي 710هـ في كتاب سماه مفتاح المفتاح ، ومظفر الخلخالي 745 هـ في كتابه شرح المفتاح ، والسيد الشريف الجرجاني 816هـ وابن كمال باشا 940هـ ألف شرح المفتاح، وممن عنوا بتلخيصه :
بدر الدين مالك 668هـ أختصره في كتاب المصباح في المعاني والبيان والبديع , وجلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني 739هـ سماه تلخيص المفتاح , وعبد الرحمن الشيرازي 756هـ في كتابه الفوائد الغياثية , ولعل أشهر هذه الشروح وأوسعها شهرة بين العلماء في  المشرق كتاب تلخيص المفتاح للقزويني , وهذا الكتاب بدوره حظي لدى العلماء باهتمام بالغ فمنهم من شرحه ومن لخصه ، ومنهم من نظمه .
فممن شرحه بهاء الدين السبكي في كتابه عروس الأفراح في شرج تلخيص المفتاح  , وابن يعقوب المغربي 1110  في كتابه مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح ، والخلخالي في كتابه مفتاح تلخيص المفتاح ، وسعد الدين التفتازاني وضع له شرحين المختصر والمطول ,  وممن نظمه شعراً جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911 هـ في  كتابه عقود الجمان ، وعبد الرحمن الأخضري سمي نظمه الجوهر المكنون في الثلاثة فنون ، وغيرهم كثير ، ولاتزال خزائن الكتب والمخطوطات تضم في جنباتها عدداً كبيراً من الكتب التي دارت حول شرح مفتاح العلوم أو حول كتاب التلخيص للقزويني .
فكل من جاء بعد السكاكي سار على نهجه ونسج على منواله لأنها لاتخرج عن كونها ترديدا وتكراراً لمادته ، فهي محاولات قصد بها الإيضاح والتبسيط عن طريق الإيجاز والتلخيص, وإذا هي من حيث لا يدري أصابها قد زادت المفتاح صعوبة على صعوبة .
ولا شك أن هذه الشروح والتلخيصات والمنظومات تدل على عناية أصحابها منذ عصر السكاكي وما بعده بالمناقشات العلمية والمماحكات اللفظية دون العناية بتربية الذوق ففقدت البلاغة بذلك هدفها الرئيس .
وعلى أية حال هذه الكتب التي صنفها العلماء أرادوا بها خدمة البلاغة والنقد إلا أنها عجزت عن أن تعلم نقداً أو بلاغة , وهي بلا شك دالة على عناية أصحابها بمسائل العلم وتوسيع القول فيه , وإن كانوا في الوقت نفسه عاجزين على القدرة  على التجديد والابتكار.
وإذا أردنا أن نقارن ما كانت عليه البلاغة العربية في عصورها الزاهية وخاصة في عصر عبد القاهر وبين ما صارت إليه في  العصور المتأخرة نرى أن البلاغة قد ازدهرت واكتمل صرحها وتوهجت شعلتها على أيدي علمائها الأوائل الذين قاموا بإحيائها وإرساء معالمها , ثم نرى كيف جفت وذبلت وخبت شعلتها على أيدي علماء البلاغة المتأخرين على يد السكاكي ومن سار على نهجه واحتذى حذوه .
وقد ظل هذا حال البلاغة تزداد مع الأيام ضعفاً وبعدا عن هدفها المنشود حتى قيض لها من علماء العرب في العصر الحديث من قام بإحيائها فأعاد للبلاغة وجهها الناصع
البلاغة والفصاحة
الفصاحة
(الفصاحة) في اللغة: بمعنى البيان والظهور، قالى تعالى: (وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً)(1).
وفي الإصلاح: عبارة عن الالفاظ الظاهرة المعنى، المألوفة الإستعمال عند العرب.
وهي تكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح.
فصاحة الكلمة
فصاحة الكلمة هي: خلوص الكلمة من الأمور التالية:
1 ـ من تنافر الحروف، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع، صعبة على اللسان، فنحو (هعخع): اسم بنت ترعاه الإبل، متنافر الحروف.
2 ـ ومن غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب، حتى لا يفهم المراد منها، لاشتراك اللفظ، أو للإحتياج الى مراجعة القواميس، فنحو (مسرّج) و) تكأكأتم) غريب.
قال الشاعر:
ومـــقلةً وحاجـــباً مـــرجــّجا            وفــاحماً، ومــرسِناً مسرّجاً
وقال عيسى بن عمروا النحوي ـحين وقع من حماره واجتمع عليه الناس ـ (ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكئكم على ذي جنة، إنفرقعوا عنّي).
3 ـ ومن مخالفة القياس: بأن تكون الكلمة شاذة، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، فنحو (الاجلل) مخالف للقياس، والقياس (الأجل) بالإدغام.
قال أبو النجم:
الـــــحمد لله الــعلي الاجــلل            الواحــد الــفرد الــقديم الأول
4 ـ ومن الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجّها الأسماع، كما تمجّ الأصوات المنكرة، نحو) الجرشى) بمعنى: النفس.
قال المتنبي:
مـــبارك الإسم أغـــرّ اللقبْ            كريم الجرشّى شريف النسبْ
والحاصل:
انه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور.
فصاحة الكلام
فصاحة الكلام هي: خلوص الكلام من الأمور التالية:
1- من عدم فصاحة بعض كلماته، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة ـ كما تقدّم ـ سقط الكلام عن الفصاحة.
2- ومن تنافر الكلمات المجتمعة، بأن يكون بين كلماته تنافراً، فتثقل على السمع، وتَعسر على النطق، نحو هذين البيتين:
وقــب رحــرب بــمكان قفــــرُ            وليس قــربَ قـبر حـرب قـبرُ
وقال أبو تمّمام:
كــريم متى أمــدحه والــورى            معي وإذا ما لمته لمته وحدي
3- ومن ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جارياً على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب، كوصل ضميرين وتقديم غير الاعرف نحو: (اعاضهاك) في قول المتنّبي:
خلت البلاد من الغزالة ليلهـا            فاعاضهاك الله كــي لا تحزنا
4- ومن التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتّبة على خلاف ترتيب المعاني.
قال المتنبي:
جفختْ وهم لا يجفخون بها بهم            شيمٌ على الحسب الأغر دلائل
والأصل: جفخت بهم شيمٌ دلائل على الحسب الاغرّ وهم لا يجفخون بها.
5 ـ ومن التعقيد المعنوي: بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب ايراد اللوازم البعيدة، المحتاجة الى إعمال الذهن، حتى يفهم المقصود.
قال عباس بن الاحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا            وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
أردا بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعنى المتفاهم.
6- ومن كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أزيد.
قال الشاعر:
اني واسطار سطرن سطرا            لقائل يا نصر نصر نصرا
7- ومن تتابع الاضافات، بأن تتداخل الإضافات.
قال ابن بابك:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي            فأنت بمــــرأى مـــن سعاد ومسمع
والحاصل:
انه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح.
فصاحة المتكلم
فصاحة المتكّلم عبارة: عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم.
البلاغة
(البلاغة) في اللغة‏: بمعنى الوصول والانتهاء، قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه)(2) أي وصل.
وفي الاصطلاح:
1 ـ أن يكون مطابقاً لمقتضى الحال، بأن يكون على طبق مستلزمات المقام، وحالات المخاطب، مثلاً لمقام الهول كلام، ولمقام الجد كلام، ومع السوقة كلام. ومع كلام الملوك كلام.. وهكذا.
2 ـ وان يكون فصيحاً ـ على ما تقدم ـ..
والبلاغة تقع وصفاً للكلام وللمتكلم، فيقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ، ولا يقال: كلمة بليغة.
بلاغة الكلام
(بلاغة الكلام) عبارة عن: أن يكون الكلام مطابقاً لما يقتضيه حال الخطاب، مع فصاحة الفاظ مفرداته ومركباته، فلو تكلم في حال الفرح مثل ما يتكلم في حال الحزن، أو العكس، أو تكلم في حال الفرح بكلام يتكلم به في هذه الحال لكن كانت الالفاظ غير فصيحة، لا يسمى الكلام بليغاً.
ثم إن الامر المقتضى للأتيان بالكلام على كيفية مّا، يسمى:
1 ـ (مقاماً) باعتبار حلول الكلام فيه.
2 ـ (حالاً) باعتبار حالة المخاطب أو المتكلم أو نحوهما.
والقاء الكلام على هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمى (مقتضى) فقولهم: (مقتضى الحال) أو (مقتضى المقام) بمعنى الكيفية التي اقتضاها الحال أو المقام.
مثلاً: يقال عند كون الفاعل نكرة، حين يتطلب المقام التنكير: هذا الكلام مطابق لمقتضى الحال.
إذاً: فالحال والمقام شيء واحد، وانما الاختلاف بالاعتبار.
بلاغة المتكلم
(بلاغة المتكلم) عبارة عن: ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ، بحيث يكون مطابقاً لمقتضى الحال، فصيحاً.
وقد عرّف (ابن المعتز) الكلام البليغ بكلام بليغ، فقال: (ابلغ الكلام: ما حسن ايجاده، وقلّ مجازه، وكثر اعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه).

1 ـ القصص: 34.
2 ـ يوسف: 22. القصص: 14. الاحقاف: 15. ‏‏‏‏‏‏ ‏ ‏










علم البيان

مفهوم علم البيان:

مفهوم علم البيان: اختلف البلاغيون في تعريفهم مصطلح (البيان) فبعد أن كان يعنى الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي عند الجاحظ، وكان يعني الاسم الذي يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك عند جعفر بن يحيى استقر على تعريف القزويني وأخذ يعرف به، يقول القزويني:“هو علم يُعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه“.
إن قوله (علم يُعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة) يعني أن الفكرة الواحدة أو المعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بطرائق تعبيرية مختلفة وجميعها يندرج تحت ما نسميه (علم البيان ).
فمثلاً يمكننا أن نلحظ معنى الكرم بالأساليب التعبيرية الآتية:
1- قال البحتري يمدح المتوكل:
عبر البحتري بقوله (ما زلت بحرًا) عن كرم المتوكل مشبها إياه بالبحر كثير العطاء. وهذا تعبير بطريقة التشبيه.
2- وقال المتنبي في وصف دخول رسول الروم على سيف الدولة:
يشيرالمتنبي بكلمة (البحر) إلى الممدوح وهو سيف الدولة إذ شبهه بالبحر. وهذا عن طريق الاستعارة.
3- وقال آخر:
عبر الشاعر بكلمات (يدًا بيد وأياديك) عن النعم التي يتصف بها الممدوح، وهذا عن طريق المجاز المرسل.
(4)تابع مفهوم علم البيان:
4- وقال آخر:
 نسب الشاعر في البيت الجود (الكرم) إلى المكان الذي يسير فيه الممدوح مكنياً به عن كرمه وذلك بنسبته إلى مكانه. 
- فطرائق علم البيان إذن مختلفة نستطيع أن نعبر بها عن المعنى الواحد.
أقسام البيان
أقسام البيان هي:
1- التشبيه.
2- المجاز العقلي.
3- المجاز المرسل.
4- الاستعارة.
5- الكناية.







                                       التشبيه
مفهوم التشبيه:
 يقول القزويني: ” التشبيه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى“.
ويمكن أن نعرفه بأنه إلحاق أمر بأمر بأداة التشبيه لجامع بينهما.
فالتشبيه إذن يتكون من أربعة أركان، هي: المشبه والمشبه به وأداة التشبيه، ووجه الشبه الذي يجمع بين المشبه والمشبه به.
تابع مفهوم التشبيه:
فلو نظرنا في قول ابن المعتز الآتي، لأدركنا هذه البنية، يقول:
 وكأنَّ البَرْقَ مُصْحَفُ قارٍ         فانطباقاً مرَّةً وانفتاحــــا
نلحظ من البيت أن الشاعر أراد أن يتحدث عن البرق، فأتى بالبرق وجعله المشبه، ثم أتى بـكلمتي(مُصْحَفُ قارٍ)، وجعلهما مشبهاً به، وكل غاية ابن المعتز من الجمع بين المشبه والمشبه به أن يوصلهما إلى المتلقي بصورة جديدة تختلف عن الأصلين الدلاليين اللذين أخذ كل طرف منهما، هذه الصورة هي صورة حركية بين انقباض وانبساط دالاتها مزيج من البرق والمصحف.
أركان التشبيه
أركان التشبيه هي:
1- المشبه (وهو الطرف الأول في التشبيه).
2- المشبه به (وهو الطرف الثاني في التشبيه).
3- أداة التشبيه.
4- وجه الشبه.
وهذه الأركان ليست سواء في التشبيه فالمشبه والمشبه به لا يمكن الاستغناء عنهما فبدونهما لا يقوم التشبيه، في حين يمكن أن نستغني عن ذكر الأداة أو وجه الشبه لجواز تقديرهما فيه.


طرفا التشبيه (المشبه والمشبه به)
التفت البلاغيون في حديثهم عن طرفي التشبيه إلى البحث في المراجع الإدراكية التي صدر عنها كل منهما، ونظروا أيضاً إلى الخاصية التركيبية التي ائتلفت فيها كلماتهما في السياق التشبيهي، فجاؤوا بعدد من المباحث هي:
1- الطرفان من حيث مادتهما: (الحسية أو العقلية).
2- بنية الطرفين التعددية.
3- بنية الطرفين الإفرادية والتركيبية.
الطرفان من حيث مادتهما: (الحسية أو العقلية).
ينقسم طرفا التشبيه من حيث مادتهما أربعة أقسام هي:
1- التشبيه الذي طرفاه حسيان.
2- التشبيه الذي طرفاه عقليان.
3- تشبيه المحسوس بالمعقول.
4- تشبيه المعقول بالمحسوس.
ومعنى الحسي هو ما يدرك بإحدى الحواس الخمس (البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس).
1- تشبيه المحسوس بالمحسوس: وهو أن يكون فيه المشبه محسوساً، والمشبه به محسوسًا أيضاً. كما في تشبيه الخد بالورد، والقد بالغصن، والفتاة بالبدر في المبصرات، والصوت الضعيف بالهمس في المسموعات، والنكهة بالعطر في المشمومات، والريق بالخمر في المذوقات، والجلد الناعم بالحرير في الملموسات. وكما في قول ابن المعتز:
زَارَني والدُّجى أحمُّ الحوَاشي         والثريا في الغْربِ كالعُنقُودِ
وهلاَلُ السماء طوقُ عَرُوسٍ         باتَ يُجْلَى على غلاَئلَ سُودِ
فالتشبيه الأول (الثريا في الغرب كالعنقود) يتضمن مشبهاً (الثريا) يدرك بحاسة البصر، ومشبهًا به (العنقود) يدرك أيضًا بحاسة البصر. وكذلك الحال في التشبيه الثاني (وهلاَلُ السماء طوقُ عَرُوسٍ) فإن المشبه فيه (هلال السماء) يدرك حاسة البصر، والمشبه به (طوقُ عَرُوسٍ) يدرك بحاسة البصر أيضاً.
ومثال الحسي بالحسي أيضاً:
قول الشاعر:
وقول آخر:
وقد أدرج البلاغيون تحت الطرفين الحسيين التشبيه الخيالي المركب من عناصر متعددة كل واحد منها يدرك بإحدى الحواس ولكن هيئته المركبة لا وجود لها في الواقع الحقيقي، وإنما وجودها في الواقع المتخيل. كما في قول الشاعر:
وكأن محمر الشقيـ         ـق إذا تصوب أو تصعد
أعلام ياقوت نشر         ن على رماح من زبرجد
2- تشبيه المعقول بالمعقول: وهو أن يكون طرفا التشبيه من مرجعين عقليين. كما في قول الشاعر:
رب حي كميت ليس فيه         أمل يرتجى لنفع وضر
يمثل المشبه (حي) معنى عقلياً وهو الحي الموجود العار عن الفوائد، ويمثل المشبه به (ميت) معنى عقلياً وهو العدم. وهما معنيان لا يدركان إلا بالعقل.
تابع (6) مادة طرفي التشبيه:
وكما في قول امرئ القيس:
العيش نوم والمنية يقظة         والمرء بينهما خيال سارِ
إذ شبه (العيش) المدرك بالعقل بـ(النوم) المدرك بالعقل أيضاً، وشبه (المنية) المدركة بالعقل بـ(اليقظة) المدركة بالعقل أيضاً.
وأدخل البلاغيون في التشبيه العقلي بالعقلي التشبيه الوهمي، والتشبيه الوجداني، قال القزويني:  "فدخل فيه الوهمي، وهو ما ليس مدركاً بشيء من الحواس الخمس الظاهرة، مع أنه لو أدرك لم يدرك إلا بها، كما في قول امرئ القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وعليه قوله تعالى " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وكذا ما يدرك بالوجدان كاللذة والألم والشبع والجوع".
3- تشبيه المحسوس بالمعقول: وهو أن يكون المشبه محسوساً ،  
  والمشبه به عقلياً، كما في قول القاضي التنوخي:
فانهَض بنارٍ الى فحم كأنهما   في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا
شبه الشاعر هنا شيئين بشيئين إذ شبه الـ (نار) المدركة بحاسة البصر بالمشبه به الـ(إنصاف) المدرك بالعقل، وشبه الـ (فحم)المدرك بحاسة البصربالمشبه به الـ (ظلم) المدرك بالعقل.
  4- تشبيه المعقول بالمحسوس: وهو أن يكون المشبه معقولاً ، والمشبه به محسوساً، كما في قول الأرجاني :
إذا ما الهمومُ المُسهِرات طَرقْنَه           ضُيوفاً قرَاها جَمْعُهُ الجِدّ والجَدّا
وكالصُّبحِ مُبْيْضاً له الرَّأيُ يُنتضَى         إذا ما أظَلَّ الخَطْبُ كاللّيلِ مُسوّدا
في البيتين ثلاثة تشبيهات: كل مشبه فيها يدرك بالعقل، وكل مشبه به يدرك بالحس، فـ(الهموم) المشبه تدرك بالعقل و(الضيوف) المشبه به يدرك بالحس. و(الرأي) المشبه يدرك بالعقل، و(الصبح) المشبه به يدرك بالحس.و(الخطب) المشبه يدرك بالعقل، و(الليل) المشبه به يدرك بالحس. وهذا النمط من التشبيه خلاف النمط السابق فهو هنا يمتلك نوعاً من الجماليات التعبيرية التي تقود المتلقي من الخفي إلى الجلي الظاهر
 من أمثلته أيضًا:
 قال أبو العلاء:
وكالنار الحياةُ فمِنْ رمادٍ     أواخرها وأوّلها دخانُ
وقال البوصيري:
والنفس كالطفل إن تُهْملْهُ شبَّ على     حُبّ الرّضاع وإنْ تَفْطمه ينفطِمِ


















ثانياً- بنية الطرفين التعددية:
.
           
 بنية الطرفين التعددية (1):
وقف البلاغيون على طرفي التشبيه ملاحظين تعدد كل طرف من طرفيه، من حيث إيراد مشبه واحد فيه أو أكثر من مشبه وإيراد مشبه به واحد أو أكثر  من مشبه به. بحيث لا يحتاج كل واحد من المتعدد الآخر في إنتاج الشبه أو وجه الشبه؛ بمعنى أن كل واحد يشكل تشبيهاً منفصلاً عن الآخر في إحداث وجه الشبه ولا يحتاج الآخر في هذا. وقد عينوا أربعة أقسام للتشبيه من هذا القبيل، هي:

1- التشبيه الملفوف:  وهو أن يأتي مشبهان أو أكثر في جهة يقابلان مشبهين بهما أو أكثر في الجهة الأخرى من التشبيه من غير أن يكون أحدها متصلاً بالآخر ومحتاجاً له لإتمام الشبه في التشبيه. وقد عرفه القزويني في قوله: "الملفوف ما أُتى فيه بالمشبهين ثم بالمشبه بهما“. كما في قول امرئ القيس:
          كأن قلوب الطير رطباً ويابساً     لدى وكرها العناب والحشف البالي
          وذلك أنه شبه قلوب الطير رطبة بالعناب وقلوبها يابسة بالحشف البالي، وجعل المشبهين في ناحية معاً والمشبهين بهما معاً في جهة مقابلة للأولى.

ومنه قول ابن المعتز:      ليلٌ وبدرُ وغصنٌ    شَعرٌ ووجهٌ وقَدُّ
               خمرٌ ودرٌّ ووردٌ     ريقٌ وثغرٌ وخدّ
         وقوله:
تبسّمٌ وقطوبٌ في ندى ووغى     كالغيث والبرق تحت العارض البرْد

2- التشبيه المفروق: وهو أن يأتي المشبه والمشبه به مقترنين معاً ثم يأتي آخران يتبعان الأولين وهكذا. وقد عرفه العباسي في قوله: "التشبيه المفروق، وهو: أن يؤتى بمشبه ومشبه به، ثم آخر وآخر”. كما في قول المتنبي:
          بَدَتْ قمراً ومالَتْ خُوطَ بانٍ         وفاحَتْ عنبراً ورنَتْ غَزَالا
فالمتنبي يدرج في بيته أربعة تشبيهات: إذ شبه طلعة المرأة بالقمر، وشبه قدها بخوط البان، وشبه نشرها بالعنبر، وشبه نظرتها بنظرة الغزال. وهي تشبيهات متتابعة متجاورة في البنية التركيبية دون اتصال بينها، ودون حاجة أحدها إلى الآخر لإتمام فائدة معناه.

ومنه قول المرقش الأكبر:
النشر مسك والوجوه دنا     نير وأطراف الأكف عنمْ
وقول الشاعر:
إنما النفس كالزجاجة والعلم     سراج وحكمةُ الله زيتُ
فإذا أشرقتْ فإنك حــــــــيٌّ      وإذا أظلمتْ فإنك ميْتُ
وقول الشاعر:
الخدُّ وردٌ والعِذارُ رياضٌ      والطرْفُ ليلٌ والبياضُ نهارُ
3- تشبيه التسوية: هو أن يتعدد المشبه ويكون المشبه به واحداً. وقد عرفه القزويني، فقال: " وإن تعدد طرفه الأول أعني المشبه دون الثاني سمي تشبيه التسوية“. وقد ضرب له مثالاً قول الشاعر:
صدغ الحبيب وحالي              كلاهما كالليالـــــي
وثغره في صفــــــــاء             وأدمعي كاللآلــــي
يتضمن البيت الأول تشبيهاً تكون طرفه الأول من مشبهين هما: صدغ الحبيب، وحالي، وجاء المشبه به واحداً وهو الليالي. ويتشكل البيت الثاني من البنية نفسها، إذ جاء المشبه متعدداً من مشبهين هما: الثغر، والأدمع، وجاء المشبه به واحداً هو(اللآلي).
( )

  4- تشبيه الجمع: هو أن يكون المشبه في التشبيه واحداً، والمشبه به متعدداً. وقد عرفه القزويني في قوله: "إن تعدد طرفه الثاني،
 أعني المشبه به دون الأول سمي تشبيه الجمع“كقول البحتري:
كأنما يبسم عن لؤلؤ               منضد أو برد أو أقاح
 فالتشبيه هنا جاء مكوناً من مشبه واحد (يبسم) ومن مشبه به متعدد من ثلاثة عناصر لا يحتاج أحدها إلى الآخر في الشبه الذي يقدمه في التشبيه، هذه المشبهات بها هي: لؤلؤ منضد، وبرد، وأقاح.

 وكما في قول السياب في قصيدة (أغنية في شهر آب)
وكأن الليل قطيع نساءْ
كحلٌ وعباءاتٌ سودُ.
 وكما في قوله في قصيدة (غريب على الخليج):
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق،
كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون.
 وكما في قول محمود درويش:
رأيتك ملء ملح البحر والرملِ
وكنتِ جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفل.
1- تشبيه طرفاه مفردان:
هو الذي يكون كل طرف فيه مفرداً. وليس الإفراد، هنا، ما يقابل المثنى أو الجمع كما هو في علم النحو، وإنما في البيان هو الصورة البسيطة التي تتكون من أمر واحد، والتي تقابل الصورة المركبة  من أكثر من أمر واحد . كما في قول البحتري:
ما زلت بحراً لعافينا فكيف وقد             قابلتنا ولك الدنيا بما فيها

المشبه في البيت المخاطب بالضمير المتصل بـ(ما زلت) وهو مفرد، والمشبه به (بحراً) وهو مفرد أيضاً، وكل منهما يشكل صورة بسيطة.
الطرفان المفردان المقيدان:
وقد يكون الطرفان مقيدين، أو يكون أحدهما مقيداً والآخر غير مقيد، ويكون القيد دالاً على وجه الشبه. والقيد قد يكون شبه جملة أو حالاً أو صفة أو مضافاً إليه, ويمكننا أن نلحظ القيود فيما تحته خط مما جاء في الشواهد الآتية:
من أمثلة الطرفين المقيدين قولهم: (الساعي في غير طائل كالراقم على الماء)، و (علم لا ينفع كدواء لا يَنْجع)، و(الكلمة الصعبة المفيدة كالدواء المرّ)، و(الولد العاق كجمر الغضا)، و(العلم في الصغر كالنقش في الحجر).

ومن أمثلة المشبه غير المقيد والمشبه به المقيد قول الخنساء:
أغر أبلج تأتم الهداة به    كأنه علم في رأسه نار
ومنها (الثغر كاللؤلؤ المنظوم)
 ومن أمثلة المشبه المقيد والمشبه به غير المقيد:(الشعر الأسود كالليل).
بنية الطرفين الإفرادية والتركيبية (4):
2- تشبيه طرفاه مركبان:
هو الذي يكون فيه كل من المشبه والمشبه به تركيباً أو صورة مركبة، كما في قول ابن المعتز:
قَدِ اِنقَضَت دَولَةُ الصِيامِ وَقَد      بَشَّرَ سُقمُ الهِلالِ بِالعيدِ
يَتْلُو الثُّرَيَّا كفاغِرٍ شَرِهٍ            يفْتَحُ فاهُ لأكْلِ عُنْقُودِ
فصورة المشبه هي الهلال الذي يتبع مجموعة نجوم الثريا، وصورة المشبه به هي الإنسان الجائع الذي يفتح فمه ليأكل عنقوداً من العنب. فكما نلحظ أن كل طرف منهما يرسم صورة مركبة من مجموع أجزاء مترابطة على المستوى التركيبي ويقابل الطرف الآخر بهذا المجموع الصوري.

وكما في قول ابن المعتز أيضاً:
 كَأَنَّ سَماءَها لَمّا تَجَلَّت            خِلالَ نُجومِها عِندَ الصَباحِ
رِياضُ بَنَفسَجٍ خَضِلٍ نَداهُ         تَفَتَّحَ بَينَهُ نَورُ الأَقاحي
وكما في قول بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا              وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

3- تشبيه مفرد بمركب:
هو الذي يكون فيه المشبه مفرداً والمشبه به مركباً، كما في قول الشماخ :
وَالشَمسُ كَالمِرآةِ في كَفِّ الأَشَل
المشبه هنا مفرد (الشمس) وأما المشبه به، فهو متكون من صورة المرآة التي تتحرك مرتعشة وفق ارتعاش كف المشلول.
ومنه قول الشاعر:
                   ويوم كإبهام القطاة مزين         إلي صباه غالب لي باطله


وقول الصنوبري:
وكأن محمرَّ الشقيـ       ـقِ إذا تصوَّبَ أو تَصَعَّدْ
أعلامُ ياقوتٍ نشر        ن على رماحٍ من زبرجد

4- تشبيه مركب بمفرد:
هو الذي يكون فيه المشبه تركيباً والمشبه به مفرداً. كما في قول أبي تمام:

يا صاحِبَيَّ تَقَصَّيا نَظَرَيكُما        تَرَيا وُجوهَ الأَرضِ كَيفَ تَصَوَّرُ
تَرَيا نَهاراً مُشمِساً قَد شابَهُ       زَهرُ الرُبا فَكَأَنَّما هُوَ مُقمِرُ

يتشكل المشبه من صورة تتكون من النهار الذي سطعت فيه أشعة الشمس وخالطه زهر الروابي ، ويتشكل المشبه به من مفرد وهو مقمر.

أدوات التشبيه
تشكل أدوات التشبيه المحور الرئيس الذي تقوم  عليه العملية التشبيهية، سواء أكانت هذه الأدوات حاضرة في التشبيه أم غائبة عنه، ذلك لأن لأداة التشبيه فاعلية إنتاج المشابهة بين طرفي بنية التشبيه. وقد تعددت هذه الأدوات، فكل لفظ دل على مشابهة أو مماثلة أو على معنى المشابهة يندرج ضمن هذه الأدوات. وقد  قسمها البلاغيون ثلاثة أقسام، هي:

1- حرفا التشبيه وهما (الكاف وكأنّ):
نحو قول الشاعر:
أنت كالبحر في السماحة والشمــ    ـس علواً والبدر في الإشراق
وقول إبراهيم طوقان:
وطني أزُفُّ لكَ الشَّبا               ب كأَّنهُ الزَّهَرُ النَّدي

 2- الأسماء، منها:
 مثل، كقول عبد الله الجامع من البحرين:
فلم يك إلا كالفواق إذا بنا                   ومركبنا مثل النجوم الغوارب
ونحو، كقول عبد المحسن الصحاف
:
من باع وردا على الفحام ضيعه نحو البهائم والثيران من خبل
وشبْه، كقول المهلهل بن ربيعة:
إِنّي وَجَدتُ زُهَيراً في مَآثِرِهِم    شِبهَ اللُيوثِ إِذا اِستَأسَدتَهُم أَسِدوا
 
وكل الأسماء التي يمكن أن تشتق من المماثلة، نحو:
مضارع، كقول حفني ناصف:
أيا قاضِي الهوى ما الحكم فيمن           أباحَ القلبُ فيه عن تراضي
فسلّ مضارعُ القمــــرين لحظاً   عليه معْرباً أمـــــر المواضي
ومشاكه، كقول زهير بن أبي سلمي:
عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ                   وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ
ومماثل، كقول حسن حسني الطويراني:
وَمني بطيف من خيال فإنني               مماثل ذياك المنيع المحرّم


ومشابه، كقول المؤمل بن أميل المحاربي:
هو المَهدِيُّ إِلا أَنَّ فيه   مُشَابِهَ صُورةِ القَمرِ المُنيرِ
وسيان، كقول ابن المعتز:
وَلا أُريدُ الهَوى إِن لَم يَكُن لِهَوى          نَفسي وَبَعضُ الهَوى وَالمَوتُ سِيّانِ
وسواء، كقول علي محمود طه:
والمصابيحُ التي كان بها يُزهى المساءُ
خنقتْها قبضةُ الشرِّ فما فيها ذَماءُ
صبغوها بسوادٍ فهيَ والليلُ سواءُ

3- الأفعال، منها :
يشبه، كقول ابن الرومي:
رأتْ عيني لمُنْكَرةٍ قواما          ووجهاً يشبه البدرَ التماما
ويشابه، كقول أشجع السلمي:
أَصبَحتَ جارَ البَرمَكيـ    ـيِ وَلَيسَ يَخشى الدَهرَ جارُه
بَدرٌ يُشابِهُ لَيلهُ  في ضوءِ جَدواهُ نَهارُه
ويضارع، كقول إبراهيم أطيمش:
صحيح لحظك معتل الجفون بدا  يضارع السيف حدّاً فعل ماضيه
ويماثل ويحكي، كما في قول حافظ إبراهيم:
كَأَنّي أَرى في اللَيلِ نَصلاً مُجَرَّدا يَطيرُ بِكِلتا صَفحَتَيهِ شَرارُ
تُقَلِّبُهُ لِلعَينِ كَفٌّ خَفِيَّةٌ
              فَفيهِ خُفوقٌ تارَةً وَقَرارُ
يُماثِلُ نَصلي في صَفاءِ فِرِندِهِ
              وَيَحكيهِ مِنهُ رَونَقٌ وَغِرارُ
ويشاكه، كقول ابن دراج القسطلي:
وأَبْرَزَتِ الجوزاءُ صدرَ زُمُرُّدٍ              مُحَلَّى بأَفذاذٍ من الدُّرِّ والوَدْعِ
يُشاكِهُ زَهْرَ الروضِ فِي ماتِعِ الضُّحى    عَلَى بَوْنِ مَا بَيْنَ التَّرَفُّعِ والوَضْعِ















وجه الشبه

أدركنا عند حديثنا عن حدّ التشبيه أن طرفي التشبيه يجتمعان على معنى أو معاني متعددة، تشكل هذه المعاني الصفات المشتركة بينهما، وهذا هو وجه الشبه الذي تحدث عنه البلاغيون. فهو إذن الصفة المشتركة بين طرفي التشبيه يلتقيان فيها ويفترقان في غيرها، فالحمرة مثلاً صفة مشتركة بين طرفي التشبيه: الخد كالوردة. وفي العادة تكون الصفة في المشبه به أظهر منها في المشبه. لذلك يؤتى بالمشبه به لإظهار هذه الصفة في المشبه.
ووقف البلاغيون على وجه الشبه طويلاً بوصفه الصفة التي ينعقد عليها التشبيه والتي تقوم عليه العملية التشبيهية للوصول بالتشبيه إلى إدراك مرحلة الصورة التي تجمع طرفيه في صورة واحدة. ونظروا فيه من وجوه متعددة، فقسموه أنواعاً مختلفة.
أقسام وجه الشبه
1- وجه الشبه الحسي.
2- وجه الشبه العقلي.
3- وجه الشبه المفرد.
4- وجه الشبه المتعدد.
4- وجه الشبه المركب.
5- وجه الشبه التحقيقي.
6- وجه الشبه التخييلي.
1- وجه الشبه الحسي:
كما في قول القُشيري:
          وتأْخذُه عند المكارم هِزَّةٌ         كما اهتز تحت البارحِ الغصنُ الرَّطِبُ
فوجه الشبه هنا هيئة الحركة وهو يدرك بحاسة البصر.
وكما في قول الشاعر:
          فكأن البرق مصحف قارٍ فانطباقاً مرةً وانفتاحا
وكما في قول شاعر:
          غزالٌ فوق ما أصفُ               كأنّ قوامه ألف

2- وجه الشبه العقلي.
          كما في قول أبي نواس:
                   وقدْ صار هذا الناسُ إلا أقلَّهم    ذئاباً على أجسادهن ثيابُ
وجه الشبه هنا الوحشية والوحشية تدرك بالعقل.
وكما في قول الشاعر:
          ما زلت بحراً لعافينا وقد          قابلتنا ولك الدنيا بما فيها
وجه الشبه الكرم وهو يدرك بالعقل.
وكما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:“أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم“. وجه الشبه هنا الهداية وهي تدرك بالعقل. 
3- وجه الشبه المفرد: وهو ما كان متولداً من أمر واحد.
          كما في قول:
          أنت كالبحر في السماحة والشمـ ـس علواً والبدر في الإشراق
  وقول الشاعر:
ما زلت بحرًا لعافينا فكيف وقد             قابلتنا ولك الدنيا بما فيها
4- وجه الشبه المتعدد: هو الذي يتكون من أكثر من عنصر من غير أن يكون داخلاً في تركيب، ولا انتزاع هيئة، ويكون كل عنصر منفصلاً عن غيره ومستقلاً؛ بمعنى أن كل أمر منها، لو اقتصر عليه كفى في التشبيه.
كما في قول أبي بكر الخالدي:
          يا شبيه البدر حسناً                وضياءً ومنالا
          وشبيه الغصن ليناً                 وقواماً واعتدالا
          أنت مثل الورد لوناً                ونسيماً ومَلالا
وكما في الشاعر:
                   أنت نجم في رفعة وضياء        تجتليك العيون شرقاً وغربا
5- وجه الشبه المركب: وهو الذي يكون متولداً من أمرين أو عنصرين فأكثر بحيث يحتاج كل واحد منها الآخر لاكتمال وجه الشبه.
كما في قول بشار بن برد:
          كأن مثار النقع فوق رؤوسنا              وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وجه الشبه هنا هو هيئة منتزعة من طرفين مركبين وهي هيئة شيء مظلم يتخلله شيء أبيض لامع متحرك، ولا شك في أن هذا الوجه يتكون من أكثر من عنصر ويحتاج كل واحد منها للآخر حتى يكتمل هذا الوجه.
وكما في قول المتنبي:
          يهز الجيش حولك جانبيه         كما نفضت جناحيها العقاب
6- وجه الشبه التحقيقي: المراد بالتحقيق هنا هو أن تكون الصفة المشتركة في كل من الطرفين على وجه التحقيق أو الحقيقة.
كما في قوله تعالى: ”وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام“.
فوجه الشبه هنا عظم الحجم وضخامته، وهو متوفر في المشبه (الجواري) وفي المشبه به (الأعلام).
وكما في قول الشاعر:        ليلٌ وبدرُ وغصنٌ    شَعرٌ ووجهٌ وقَدُّ
          خمرٌ ودرٌّ ووردٌ     ريقٌ وثغرٌ وخدّ
فالسواد متحقق في الليل والشعر، والاستدارة متحققة في البدر والوجه، والاستقامة متحققة في الغصن والقد، وطيب المذاق متحققة في الخمر والريق، والبياض متحقق في الدر والثغر، والحمرة متحققة في الورد والخد.
7- وجه الشبه التخييلي: المراد بالتخييلي هنا هو أن تكون الصفة المشتركة أي وجه الشبه لا يمكن تحققه في المشبه أو المشبه به  إلا على وجه التخييل لا على وجه التحقيق أو الحقيقة، ولا بد لإدراكه من التأويل والتخييل.
كما في قول القاضي التنوخي:
          وكأن النجوم بين دجاها سَنَنٌ لاح بينهن ابتداعُ
وجه الشبه هنا هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيضاء في جوانب أشياء سوداء مظلمة، إن هذا الوجه غير متحقق في المشبه به بغض النظر عن تحققه في المشبه.
ومثاله قول أبي طالب الرقي:
          ولقد ذكرتك والظلام كأنه    يوم النوى وفؤاد من لم يعشقِ
وجه الشبه هنا هو السواد ولا بد من تخيله في المشبه بهما (يوم النوى) و(فؤاد من لم يعشق).
وكقول الشاعر:
          كلاهما كالليالي  صدغ الحبيب وحالي
أقسام التشبيه من حيث الأداة في الذكر والحذف(1)
ينقسم التشبيه من حيث أداته في الذكر والحذف قسمين هما:
1- التشبيه المرسل: هو التشبيه الذي ذكرت فيه الأداة، نحو قول الشاعر:
وتراه في ظلم الوغى فتخاله     قمراً يكر على الرجال بكوكب
2- التشبيه المؤكد: هو التشبيه الذي حذفت فيه الأداة، نحو قول الشاعر:
هم البحور عطاء حين تسألهم    وفي اللقاء إذا تلقاهم بُهمُ
أقسام التشبيه من حيث وجه الشبه في الذكر والحذف(2)
ينقسم التشبيه من حيث وجهه في الذكر والحذف قسمين هما:
1- التشبيه المفصل: هو التشبيه الذي ذكر فيه وجه الشبه، نحو قول الشاعر:
أنت كالبحر في السماحة والشمـ  ـس علواً والبدر في الإشراق
2- التشبيه المجمل: هو التشبيه الذي حذف فيه وجه الشبه، نحو قول الشاعر:
وكأنّ إيماضَ السيوفِ بوارقُ    وعَجاجَ خيلهم سحابٌ مظلمُ
 
أقسام التشبيه من حيث الأداة ووجه الشبه معاً في الذكر والحذف(3)
ينقسم التشبيه من حيث أداته ووجه الشبه في الذكر والحذف أربعة أقسام، هي:
1- التشبيه التام (المرسل المفصل): هو الذي تذكر فيه الأداة ووجه الشبه، نحو قول الشاعر:
كأنّ مشيتها من بيت جارتها     مرّ السحابة، لا ريث ولا عجلُ
2- التشبيه البليغ (المؤكد المجمل): هو الذي تحذف فيه الأداة ووجه الشبه، نحو قول الشاعر:
النشر مسك والوجوه دنا     نير وأطراف الأكف عنم
3- التشبيه المرسل المجمل: نحو قول الشاعر السري الرفاء في وصف شمعة:
مفتولة مجدولة      تحكي لنا قدَّ الأسلْ
كأنها عمر الفتى    والنارُ فيها كالأجلْ
4- التشبيه المؤكد المفصل: نحو قول الشاعر:
هم البحور عطاء حين تسألهم    وفي اللقاء إذا تلقاهم بُهمُ


أولاً- تشبيه التمثيل
                   يأتي تشبيه التمثيل من قبيل وجه الشبه الذي يكون منتزعاً من متعدد أي من تشبيه صورة مركبة بصورة مركبة. ويعني التركيب هنا ما كنا نتحدث عنه في تركيب طرفي بنية التشبيه.
مثاله قول الشاعر:
          كأنما المريخ والمشتري          قدّامه في شامخ الرفعهْ
          مُنْصرفٌ بالليل عن دعوة         قد أُسْرجت قُدّامه شمْعهْ
يتضمن البيت الأول المشبه وهو (المريخ والمشتري الذي يسير أمامه) ويتضمن البيت الثاني المشبه به (منصرف عن دعوة وقد أشعلت أمامه شمعة ليلاً) إن كل طرف من طرفي التشبيه هنا تركيب أو صورة لذا ينشأ عنهما وجه شبه  يجعل التشبيه تشبيهاً تمثيلياً، هذا الوجه هو هيئة شيء أبيض لامع وسط شيء أسود مظلم وقد تقدم شيئاً أبيض لامعاً أيضاً.
أولاً- تشبيه التمثيل (2).
ومثاله أيضاً قول شاعر يمدح فارساً:
                   وتراه في ظلم الوغى فتخاله     قمراً يكر على الرجال بكوكب
يتضمن المشبه هنا صورة الفارس وبيده سيف لامع يتخلل غبار المعركة ويتضمن المشبه به صورة القمر الذي يتخلل ظلمة السماء وقد اتصل به كوكب مضيء. ومن هنا ينشأ وجه الشبه هيئة مشكلة من شيء مضيء لامع يبدي شيئاً متلألئاً في وسط شيء أسود مظلم.
أولاً- تشبيه التمثيل (3).
ومثاله كذلك قول الشاعر:
          كأنه وكأن الكأس في فمه         هلالُ أول شهر غاب في شفقِ
يتضمن المشبه هنا صورة إنسان وقد دخل بعض الكأس في فمه، ويتضمن المشبه به صورة القمر وقد غاب جله في ظلمة السماء فما بقي منه سوى جزء مقوس مضيء. ومن هنا ينشأ وجه الشبه الذي هو هيئة مشكلة من شيء مقوس مضيء لامع وسط شيء غير لامع.
وكما في قول بشار بن برد:
          كأن مثار النقع فوق رؤوسنا              وأسيافنا ليل تهاوى كواكبهْ
لعلنا نلحظ أن وجه الشبه هنا هو شيء لامع متحرك وسط شيء أسود مظلم.
أولاً- تشبيه التمثيل (4).
وكما في قوله تعالى: ”مثَلُ الذين حُمّلوا التوراةَ ثم لم يحملوها كمثَل الحمار يحمل أسفاراً“.
          لعلنا نلحظ هنا أن وجه الشبه هو صورة مَنْ هُيّئت له نفائس الأشياء فلم يزدد بها إلا تعباً وخسارة.
وقول ابن المعتز:
                   قد انقضت دولة الصيام وقد               بشر سقم الهلال بالعيد
                   يتلو الثريا كفاغر شــــــــره                يفتح فاه لأكـــل عنقود
وقول ابن الرومي:
                   أول بدء المشيب واحــدة         تشعل ما جاورت من الشَّعَرِ
                   مثلُ الحريق العظيم تبدؤه        أوّلَ صــــولٍ صغيرةُ الشّررِ
التشبيه غير التمثيلي.
يقابل تشبيه التمثيل تشبيهاً غير تمثيلي وهو ما كان فيه وجه الشبه عكس ما يكون في تشبيه التمثيل؛ أي يكون وجه الشبه منتزعاً من غير مركبين ولا يكون وجهاً مركباً، وهذا لا يتعارض مع تعدد وجوه الشبه التي لا تشكل تركيباً.
مثاله قول امرئ القيس:
          وليل كموج البحر أرخى سدوله    علي بأنواع الهموم ليبتلي
وجه الشبه هنا هو شيء أسود ممتد. وهو وجه شبه مفرد لا تركيب فيه.
 وأمثلة هذا النوع كثيرة فيما تقدم من شواهد التشبيه في المحاضرتين الأخيرتين قبل هذه المحاضرة.
ثانياً- التشبيه المقلوب
          التشبيه المقلوب هو جعل المشبه مشبهاً به والمشبه به مشبهاً من أجل المبالغة في صفات المشبه. وهذا يعنى قلب بنية التشبيه المألوفة، وهي التي تأتي على وفق الأصول والفروع، الأصول تعنى ما اعتاد العرب على أن تكون مشبهات بها، والفروع مشبهات ، فقولنا: (محمد كالأسد في الشجاعة) مبني على أن محمداً (فرع) مشبه وأسداً (أصل) مشبه به، فلو قلنا: (الأسد كمحمد في الشجاعة) لقلبنا البنية، فتكون عندئذ تشبيهاً مقلوباً.
مثاله قول البحتري:
في طلعة البدر شيء من محاسنها        وللقضيب نصيب من تثنيها
في البيت تشبيهان شبه الشاعر في الأول طلعة البدر وهو أصل بمحاسن المحبوبة وهي فرع، وفي التشبيه الثاني شبه ما في القضيب من ليونة الحركة وهو أصل بما في المحبوبة من تثنٍ وليونة، ولا شك في أن هذه البنية تبالغ في صفات المحبوبة.
وكما في قول ابن المعتز:
ولاح ضوء قُمير كاد يفضحنا    مثلَ القُلامة قد قُدّت من الظّفْرِ
وقوله: والصبحُ في طرّة ليل مسفر      كأنه غرّة مُهر أشقر
وقول محمد بن وُهَيْب الحميري في مدح المأمون:
                   وبدا الصباح كأن غرّتَه           وجه الخليفة حين يمتدح
وقول البحتري:
                   كأن سناها بالعشيّ لصبحها      تبسم عيسى حين يلفظ بالوعد
وقول شاعر:
          أحِنُّ لهم ودونهم فلاة             كأن فسيحها صدر الحليم
ثالثاً- التشبيه الضمني
ثالثاً- التشبيه الضمني: لا يأتي هذا التشبيه في صورة من صور التشبيه المعروفة، إذ لا ينص على المشبه والمشبه به صراحة، بل يلمحان في البنية التركيبة التي تتضمنه، وكذلك الحال في الأداة فإنها لا تذكر في هذا التركيب ولا يجوز تقديرها كما هي الحال في التشبيه غير الضمني، وهذا الضرب من التشبيه يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن.
مثاله قول أبي فراس الحمداني:
          سيذكرني قومي إذا جَدّ جِدُّهم             وفي الليلة الظلماء يُفْتقد البدر
يقول الشاعر هنا: إن قومه سيذكرونه عند اشتداد الخطوب والأهوال عليهم ويطلبونه فلا يجدونه، ويرى أن البدر يفتقد ويطلب عند اشتداد الظلام، لا شك في أن الشاعر هنا يطرق معنيين كل واحد منهما يمثل حالاً من الأحوال ولعلنا نلحظ أن ثمة تشابهاً بين هاتين الحالتين فالشيء (الشاعر والبدر) يحتاج إليه في حالة الشدة والضيق (الجد والليلة الظلماء). وهذه هي حالة التشبيه الضمني.
ومثاله كذلك قول البحتري:
          ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم        وللسيف حدّ حين يسطو ورونقُ
وقول ابن الرومي:
          قد يشيب الفتى وليس عجيباً               أن يُرى النَّورُ في القضيب الرطيبِ
وقول أبي تمام:
          لا تنكري عطل الكريم من الغنى  فالسيل حرب على المكان العالي
وقول أبي العتاهية:
          ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها؟          إن السفينة لا تجري على اليبَسِ
رابعاً- أغراض التشبيه
عرفنا فيما تقدم أن التشبيه طريقة من طرائق التعبير عن المعاني وأن هذه الطريقة تعتمد على استدعاء معاني للتعبير عن معاني أخرى؛ أنها تستدعي المشبه به لتعبر عن معنى المشبه ولذلك فإن للمعبر بالتشبيه أغراضاً مختلفة باستدعاء المشبه به، من هذه الأغراض:
1- بيان إمكان وجود المشبه: يتحقق هذا الغرض عندما يكون في المشبه أمر مستغرب، فيؤتى بالمشبه به ليزول هذا الاستغراب. كما في قول المتنبي:
          فإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم                  فإن المسك بعض دم الغزال
لعلنا نلحظ هنا أن التشبيه ضمني؛ إذ ادعى المتنبي أن الممدوح (المشبه) مباين لأصله من الجنس البشري بصفات وخصائص حقيقية متفردة، وهذا الادعاء غريب لأن الناس متشابهون في صفاتهم وخصائصهم وليزيل هذا الاستغراب أتى بالمشبه به الذي يثبت أن المسك وإن كان يختلف عن دم الغزال في صفاته فإنه منه، والمتنبي بهذا يزبل غرابة المشبه.

وكما في قول البحتري:
          دانٍ إلى أيدي العفاة وشاسع               عن كل ندّ في الندى وضريبِ
          كالبدر أفرط في العلو وضوؤه   للعصبة السارين جِدّ قريبِ
وكقول الشاعر أيضاً:
          قد يشيب الفتى وليس عجيباً               أن يُرى النور في القضيب الرطيبِ
2- بيان حال المشبه: يتحقق هذا الغرض حينما يكون المشبه مجهول الصفة غير معروفها قبل التشبيه.
كما في قول قول النابغة الذبياني:
          كإنك شمس والملوك كواكب               إذا طلعتَ لم يبدُ منهن كوكبُ
لعلنا ندرك أن التشبيه يتحدث عن صفة عظمة الممدوح بين الملوك (المشبه) وقد كانت مجهولة غير معروفة قبل توضيحها بالمشبه به.
 وقول ابن الرومي:
          حِبْرُ أبي حفص لعاب الليل                  يسيل للإخوان أيَّ سيلِ
 
3- بيان مقدار حال المشبه: يتحقق هذا الغرض عندما يكون المشبه معروف الصفة معرفة إجمالية؛ لذا يسعى القائل إلى بيان مقدار حاله في القوة والضعف والزيادة والنقصان.
كما في قول المتنبي يصف أسداً:
          ما قوبلت عيناه إلا ظُنّتا  تحت الدجى نار الفريق حلولا
يصف المتنبي هنا عيني الأسد المحمرتين في الدجى، ولبيان مقدار هذا الاحمرار جاء بالمشبه به وهو النار.
وكما في قول عنترة:
          فيها اثنتان وأربعون حلوبة      سوداً كخافية الغراب الأسود.
وقول الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها               مرّ السحاب لا ريث ولا عجل

4- تقرير حال المشبه في نفس السامع: يتحقق هذا الغرض عندما يكون المشبه محتاجاً إلى تأكيد وتوضيح ليكون أثبت في نفس السامع.
كما في قول الشاعر:
          إن القلوبَ، إذا تنافر ودُّها        مثلُ الزجاجة كسرها لا يجبرُ
أراد الشاعر هنا أن يوضح القلوب المتنافرة ويؤكدها بكسر الزجاج وهو المشبه به وهذا يقوي المعنى في ذهن السامع.
وكما في قول المتنبي:
          من يهن يسهل الهوان عليه               ما لجرح بميت إيلام
5- تزيين المشبه: يتحقق هذا الغرض عندما يريد القائل تحسين صورة المشبه والترغيب به.
كما في قول الشاعر يصف زنجية:
          سوداء واضحة الجبيــ  ـن كمقلة الظبي الغرير
شبه الشاعر هنا سواد المرأة بسواد مقلة الظبي وذلك تحسيناً لها وتحبيباً لها إلى النفوس.
وكما في قول أبي الحسن الأنباري في رثاء مصلوب:
          مددتَ يديك نحوهم احتفاء                 كمدّهما إليهم بالهباتِ
يشبه الأنباري هنا مدَّ يدي المصلوب والناس حوله بمد ذراعيه بالهبات للسائلين أيام حياته. فالمشبه هنا أمر تنفر منه النفوس لذا أراد الشاعر أن يزين قبحه بالمشبه به.
رابعاً- أغراض التشبيه (10):
6- تقبيح المشبه: يتحقق هذا الغرض عندما يكون المشبه قبيحاً فيأتي القائل بما يزيده قبحاً.
كما في قول أعرابي في ذم امرأة:
          وتفتح- لا كانت- فماً لو رأيتَه    توهمتَه باباً من النار يُفْتَحُ
يرى الأعرابي قبح فم المرأة فجاء بمشبه به وهو باب جهنم ليزيده قبحاً.
وكما في قول المتنبي في الهجاء:
          وإذا أشار محدثاً فكأنه   قرد يقهقه أو عجوز تلطم

-       



الحقيقة والمجاز


الحقيقة (1)
وقفت البلاغة العربية من اللغة في الاستعمال على جهتين متقابلتين هما الحقيقة والمجاز ، فنظرت إلى مفردات اللغة وتراكيبها من جهة المفردة من حيث موافقتها لما وضعت له أو مخالفتها لهذا الوضع، وقررت أن المفردة إذا استخدمت لما وضعت له من معاني أو مدلولات، فإنها عندئذ تكون قد استعملت في دائرة الحقيقة؛ كما في استعمال كلمة (قلم) في جملة (هذا قلم ) وهي تدل على ما نكتب به أو ما نخط به، وعلامة التواضع في الاستعمال هي ما تعارف الناس على أن يدل على مدلول خاص تستخدم له المفردة، وأما إذا استعملت الكلمة في غير ما تواضع عليه الناس، فإنها عندئذ تغادر دائرة الحقيقة لتدخل دائرة المجاز، فيصبح الاستعمال عندئذ استعمالاً مجازيًا للمفردة فتكون مفردة مجازية.
مفهوم الحقيقة والمجاز(2)
                   والواقع أن الدارسين للبلاغة قد وقفوا على تصورات اللغة في دائرتيها الحقيقة والمجاز ، ووضعوا حدودًا تضبط مفهوم كل مصطلح منهما، إذ يعرف السكاكي الحقيقة في قوله: "الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع“وحدها مرة أخرى بقوله "ولك أن تقول الحقيقة: هي الكلمة المستعملة فيما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة” فالحقيقة, إذن, هي كلمة دالة على مدلولها الذي تشير إليه مباشرة دون أن نلجأ إلى التأوّل. ويعرّف المجاز في قوله: "أما المجاز فهو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق، استعمالاً في الغير، بالنسبة إلى نوع حقيقتها، مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع”.
أقسام المجاز
قسم البلاغيون المجاز قسمين:
1- المجاز العقلي:
2- المجاز اللغوي: وهو ينقسم قسمين:
المجاز المرسل.
الاستعارة.
المجاز العقلي.
مفهوم المجاز العقلي
المجاز العقلي. وأسماه البلاغيون أيضاً المجاز الحكمي، والإسناد
المجازي.
عرفه القزويني: ” هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأويل“. ويمكننا أن نعرفه أيضاً بأنه إسناد الفعل أو ما يأتي بمعناه إلى غير فاعله الأصلي لعلاقة بينه وبين الفاعل الأصلي علاقة غير المشابهة مع قرينة عقلية دالة على ذلك.
مثاله:
جرى النهر.
مشيت في غابة غناء.


مصطلحات تستخدم في دروس المجاز بأنواعه الثلاثة:
العلاقة: هي الأمر الذي يقع به الارتباط بين المعنى الحقيقي (الأصلي) والمعنى المجازي فيصح الانتقال من الأول إلى الثاني، وهذه العلاقة التي تربط في المجاز بين المعنيين: الحقيقي والمجازي قد تكون المشابهة كما في الاستعارة وقد تكون غير المشابهة كما في المجازين العقلي والمرسل.
القرينة: هي الأمر الذي يصرف الذهن عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، وهي إما قرينة عقلية أي حالية، وإما قرينة لفظية.
1-العلاقة المحلية: هي أن يذكر المتكلم محل الشيء يريد به الحالّ فيه.
مثاله قوله تعالى: {  وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25} (البقرة)، الشاهد في هذه الآية الكريمة هو في قوله : " تجري من تحتها الأنهار"؛ ذلك أن الصياغة القرآنية أسندت الفعل إلى فاعله غير الحقيقي, إذ إن الفاعل الحقيقي هو (مياه)، فالأصل أن تكون الصياغة (تجري من تحتها مياه الأنهار) ، وبهذا تكون الصياغة القرآنية قد أحلت المحلَّ مكان الحالِّ فيه، فعلاقته المحلية.

ومثاله قول الشاعر:
إن الديار تريق ماء شئونها                كالأمهات وتندب الأحياء
نلحظ في هذا الشاهد موضعين للمجاز العقلي هما:
الأول- (تُريق). إن هذا الفعل مسند إلى الفاعل (هي) الذي يعود إلى دال (الديار) وهو محل للناس الحالين فيه وهو الفاعل الأصلي لهذا الفعل، فالناس القاطنون فيها هم الذين يريقون ماء شئونهم. والعلاقة بين الديار والقاطنين  فيها علاقة المحل.
الثاني- (تندب).أسندت الصياغة الشعرية الفعل (تندب) إلى دال (الديار) وهو غير فاعله الأصلي والفاعل الأصلي هو (القاطنون) في الديار، والعلاقة بين الديار والقاطنين فيها علاقة المحل.
                  
ومثاله قول الشاعر:
ملكنا فكان العفوُ منا سجيةً                 فلما ملكتم سال بالدم أبْطَحُ
ومثاله قولنا: جلسنا إلى مشرب عذب.
2- العلاقة الزمنية: هي أن يذكر المتكلم زمان الشيء ويريد به ما فيه.
مثاله قوله تعالى: {وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} (الضحى)
أسندت الصياغة القرآنية الفعل (سجا) إلى غير فاعله الأصلي (الليل) والأصل أن يسنده إلى فاعله الأصلي وهو (الكائنات الحية التي تعيش زمن الليل) لعلاقة الزمانية.
ومثاله قول الشاعر:    
          ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً   ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
ومثاله أيضاً قوله تعالى: ”فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً“.
3- العلاقة السببية: وهي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى سببه.
كما في قوله تعالى: ”يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسبابَ السموات“.
إن إسناد الفعل (ابن) إلى الفاعل هامان مجاز عقلي علاقته السببية؛ لأن هامان لا يبني الصرح بنفسه وإنما يبنيه عماله فكان هامان سبباً في الفعل أو البناء.
ومثاله قول الشاعر:
          إنا لمن معشر أفنى أوائلهم       قيل الكماة: ألا أين المحامونا؟
وقوله تعالى: ”وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً“.
4- العلاقة المفعولية: وهي إسناد الوصف المبني للفاعل إلى المفعول؛ أي يستعمل اسم الفاعل والمقصود اسم المفعول.
مثاله قوله تعالى: ”أو لم نمكن لكم حرماً آمناً“.
          إن لفظ اسم الفاعل (آمناً) أطلق على الحرم والحرم لا يكون آمناً وإنما يكون مأموناً. وهذا من الإسناد المجازي.
ومنه قول الشاعر:
          لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم.
وقول النابغة الذبياني:
          فبتّ كأني ساورتني ضئيلة                 من الرقش في أنيابها السمّ ناقع
5- العلاقة الفاعلية: وهي إسناد الوصف المبني للمفعول إلى الفاعل؛ أي يستعمل اسم المفعول والمقصود اسم الفاعل.
مثاله قوله تعالى: ”إنه كان وعده مأتياً“.
           إن لفظ اسم المفعول (آمناً) أطلق على وعده والوعد لا يؤتى وإنما يكون آتياً. وهذا من الإسناد المجازي ذي العلاقة الفاعلية.
وقوله تعالى: ”وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً“.
 
6- العلاقة المصدرية: وهي إسناد الفعل إلى مصدره.
مثاله قول الشاعر:
          سيذكرني قومي إذا جَدّ جَدهم             وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وقوله تعالى: ”فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة“.
وقول الشاعر:
          تكاد عطاياه يُجَنُّ جنونُها         إذا لم يعوذها برقية طالب
           
المجاز المرسل .
 مفهوم المجاز المرسل(1)
          المجاز المرسل: هو مجاز لغوي، علاقته غير المشابهة.
          تعريفه: هو اللفظ المستعمل في غير معناه الأصلي، لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
سمي المجاز المرسل مرسلاً لإرساله عن التقيد بعلاقة المشابهة.
مثاله قوله تعالى: ”واركعوا مع الراكعين“.
أطلقت الصياغة القرآنية لفظ (اركعوا) وأرادت (صلوا) والقرينة الدالة على هذا قرينة عقلية تنتمي إلى ثقافتنا الإسلامية لأن الأمر يكون بالصلاة لا بالركوع. وعلاقة الركوع بالصلاة علاقة الجزء بالكل.
علاقات المجاز المرسل(2)
للمجاز المرسل علاقات متعددة منها:
1- العلاقة السببية: وهي إطلاق لفظ السبب أي المُسَبِّب وإرادة المُسَبَّب.
مثاله قول المتنبي:
          له أيادٍ عليَّ سابغـة      أعد منها ولا أعددها
أطلق الشاعر لفظ (أياد) بدلاً من لفظ النعم أو العطايا التي يقدمها الممدوح، والقرينة الدالة على هذا لفظية هي (سابغة) والعلاقة بين (أياد) و(النعم) هي علاقة السببية؛ لأن الأيادي سبب في النعم.
ومثاله قول الشاعر:
          إذا نزل السماء بأرض قوم                 رعيناه وإن كانوا غضابا
علاقات المجاز المرسل (3)
ومثاله أيضاً قوله تعالى: ”فمن شهد منكم الشهر فليصمه“.
ومثاله قولهم: رعينا الغيث.
علاقات المجاز المرسل (4)
2- العلاقة المُسَبَّبيَّة: وهي إطلاق لفظ المُسَبَّب وأرادة السبب.
كما في قوله تعالى: ”وينزل لكم من السماء رزقاً“.
          أطلقت الصياغة القرآنية لفظ (رزقاً) وأرادت (غيثاً) والقرينة الدالة على هذا قرينة لفظية هي (السماء)، ونوع العلاقة هي العلاقة المُسبَّبيَّة.
وكما في قوله تعالى: ”إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً“.
وكما في قول الشاعر:
          أقطف الغيث فتحيا أمنياتي        والسما تمطر رزقاً عم شعبهْ
علاقات المجاز المرسل(5)
3- العلاقة الجزئية: هي إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكل.
كما في قول الشاعر:
          وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
أطلق الشاعر لفظتي (القوافي وقافية) وأراد الشعر والقرينة الدالة عليه قرينة لفظية هي (نظم) والعلاقة هي علاقة الجزء بالكل لأن القافية جزء من الشعر.
ومثاله قول الشاعر:     كم بعثنا الجيش جراراً وأرسلنا العيونا
 وكما في قوله تعالى: ”فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها“.
علاقات المجاز المرسل(6)
4- العلاقة الكلية: هي إطلاق لفظ الكل وإرادة الجزء.
- كما في قول المتنبي:
          أقمت بأرض مصر فلا ورائي    تخب بي الركاب ولا أمامي
أطلق الشاعر لفظ الكل (أرض مصر) وأراد جزءاً منها لا كلها والقرينة لفظية هي (أقمت) والعلاقة علاقة الكلية.
- وكما في قوله تعالى: ”قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم“.
- وكما في قوله تعالى: ”يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم“.
  علاقات المجاز المرسل(7)
5- علاقة اعتبار ما كان: هي إطلاق لفظ ما كان عليه الأمر وإرادة ما يكون عليه.
- كما في قول ابن  الرومي:     لا أركب البحر إني        أخاف منه المعاطبْ
                                                طين أنا وهو ماء         والطين في الماء ذائب
أطلق الشاعر لفظ ما كان عليه (طين) وأراد ما يكون عليه وهو ذاته أو نفسه (الإنسان) والقرينة لفظية (أنا). والعلاقة اعتبار ما كان.
- وكما في قوله تعالى: ”إنه من يأتي ربه مجرمًا فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا“.
- وكما في قوله تعالى أيضاً: ”وآتوا اليتامى أموالهم“.
علاقات المجاز المرسل (8)
6- علاقة اعتبار ما يكون: هي إطلاق لفظ ما يكون عليه الأمر وإرادة ما كان عليه.
- كما في قوله تعالى: ”إني أراني أعصِر خمرًا“.
أطلقت الصياغة القرآنية لفظ ما يكون عليه الأمر وهو (خمراً) وأرادت ما كان عليه وهو (العنب).
وكما في قوله تعالى: ”ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً. إنك إن تذرهم يُضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً أو كفاراً“.
وكما في قوله تعالى أيضاً: ”فبشرناه بغلام حليم“.
علاقات المجاز المرسل (9)
7- العلاقة المحلية (المكانية): هي إطلاق لفظ المحل أو المكان وإرادة الحالّ فيه.
كما في قول الشاعر:   
                   واسألا القرية عنا: كيف كنا      في روابيها ربيعاً ومحبهْ
أطلق الشاعر لفظ المحل (القرية) وأراد الحالِّين فيها وهم (أهلها) والقرينة لفظية هي (واسألا).
وكما في قول ابن الرومي:       لا أركب البحر إني        أخاف منه المعاطبْ
وكما في قوله تعالى: ”فليدع ناديه، سنده الزبانية“.
علاقات المجاز المرسل (10)
8- العلاقة الحالِّيَّة: هي إطلاق لفظ الحال وإرادة المحل.
- كما في قوله تعالى: ”إن الأبرار لفي نعيم“.
أطلقت الصياغة القرآنية لفظ الحال (نعيم) وأرادت المحل وهي (الجنة) والقرينة لفظية هي (الأبرار) لأن النعيم حال في الجنة.
وكما في قول الشاعر:
          ألمّا على معنٍ وقولا لقبره        سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا
وكما في قوله تعالى: ”في رحمة الله هم فيها خالدون“.
وقول المتنبي:
                   إني نزلت بكذابين ضيفهم         عن القِرى وعن الترحال محدود
علاقات المجاز المرسل (11)
9- العلاقة الآلية: هي إطلاق لفظ الآلة وإرادة الأثر الذي ينتج عنها.
- كما في قوله تعالى: ”واجعل لي لسان صدق في الآخرين“.
أطلقت الصياغة القرآنية لفظ الآلة (لسان) وأرادت (كلاماً طيباً) أو (ذكراً طيباً) وهو الأثر الناتج من اللسان.
وكما في قوله تعالى: ”وأتوا به على أعين الناس“.
وكما في قوله تعالى أيضاً: ”واصنع الفلك بأعيننا“.
وكما في قوله تعالى: ”وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه“.
علاقات المجاز المرسل (12)
10- علاقة المجاورة: هي إطلاق لفظ الشيء وإرادة ما يجاوره.
كما في قول عنترة بن شداد:
                   فشككت بالرمح الأصم ثيابه      ليس الكريم على القنا بمحرم
أطلق الشاعر لفظ الثياب وأراد ما يجاورها وهو من لحم وعظم.
تدريبات (1)     اقرأ الشواهد الآتية وبين ما فيها من مجاز مرسل وأجره مبيناً نوع علاقته:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه   بُعيدَ الكرى عيناه تنسكبان
إذا سقط السماء بأرض قوم      رعيناه وإن كانوا غضابا
قال تعالى: ”فتحرير رقبة مؤمنة“.
قال تعالى: ”يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى“.


الاستعارة
مفهوم الاستعارة(1)
الاستعارة: هي لفظ استعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي الذي وضع له.
          أو هي تشبيه حذف أحد طرفيه مع قرينة مانعة من إيراد الطرف المحذوف.
مفهوم الاستعارة(2)
يمكننا أن نتعرف هذين المفهومين من خلال الشاهد الآتي:
          فلم أرَ قبلي من مشى البحرُ نحوه                  ولا رجلاً قامت تعانقه الأسد
- اللفظ المستعار منه هو (البحر) وهو يساوي (المشبه به).
اللفظ المستعار له هو (الممدوح) وهو محذوف، ويساوي (المشبه).
وجامع الاستعارة هو (الكرم) وهو يساوي وجه الشبه في التشبيه.
القرينة الدالة على المحذوف (المستعار له) هو (مشى).
اللفظ المستعار منه هو (الأسد) وهو يساوي (المشبه به).
اللفظ المستعار له هو (الأبطال) وهو محذوف, ويساوي (المشبه).
وجامع الاستعارة هو (الشجاعة) وهو يساوي وجه الشبه في التشبيه.
القرينة الدالة على المحذوف (المستعار له) هو (تعانقه).
إجراء الاستعارة
إجراء الاستعارة أمر مهم يكشف عن فهم الاستعارة من جوانبها المختلفة التي نتناولها في محاضرات الاستعارة، لذا علينا أن ندقق في العناصر التي نأتي عليها في هذا الإجراء، وحتى نسهل على أنفسنا كيفية هذا الإجراء نعود إلى إحدى الاستعارتين السابقتين ولتكن (البحر) إجرؤها على النحو الآتي:
ذكر الشاعر المشبه به أو المستعار منه وهو (البحر) وحذف المشبه أو المستعار له وهو (الممدوح) وأبقى شيئاً من لوازم المحذوف وهو قرينة لفظية هي (مشى) بجامع الكرم.
نلحظ هنا أربعة عناصر لا بد من ذكرها هي:
1- المستعار له.          2- المستعار منه.
3- القرينة.                4- جامع الاستعارة.
 قسما الاستعارة باعتبار أحد طرفيها (1)
1- الاستعارة التصريحية: هي الاستعارة التي ذكر فيها المشبه به.
مثالها قول المتنبي في وصف رسول الروم على سيف الدولة:
          وأقبل يمشي في البساط فما درى         إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي
في هذا الشاهد استعارتان تصريحيتان، هما : (البحر) و(البدر). ويمكننا أن
الإجراء:
ذكر الشاعر المشبه به وهو (البحر) وحذف المشبه وهو (الممدوح) وأبقى شيئاً من لوازمه وهو قرينة لفظية (يمشي في البساط) بجامع الكرم على سبيل الاستعارة التصريحية.
لاحظ عناصر الإجراء: هي المشبه والمشبه به والقرينة والجامع ونوع الاستعارة.
قسما الاستعارة باعتبار أحد طرفيها (2)
من أمثلة الاستعارة التصريحية:
- قال تعالى: ”كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور“.
قال المتنبي يصف موسى الحلاقة:
          إذا لمع البرق في كفه   افاض على الوجه ماء النعيم
جمع الحق لنا في إمام            قتل البخل وأحيا السماحا
أما ترى ظفراً حلواً سوى ظفرٍ   تصافحت فيه بيض الهند واللمم
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت         ورداً وعضّت على العناب بالبرد
           
قسما الاستعارة باعتبار أحد طرفيها (3)
ملحوظات
ربما لحظنا مما تقدم أننا نستطيع أن نستنتج جامع الاستعارة من اللفظ المستعار إن كان واقعاً في الفعل أو من قرينة الاستعارة إن كانت فعلية. راجع الشواهد السابقة.
قسما الاستعارة باعتبار أحد طرفيها (4)
 2- الاستعارة المكنية: هي الاستعارة التي ذكر فيها المشبه.
مثالها قول أبي ذؤيب الهذلي:
          وإذا المنية أنشبت أظفارها       ألفيت كل تميمة لا تنفع
الإجراء:
ذكر الشاعر المشبه وهو (المنية) وحذف المشبه به وهو (الحيوان المفترس) وأبقى شيئاً من لوازمه وهو قرينة لفظية (أظفارها) بجامع الوحشية والافتراس على سبيل الاستعارة المكنية.
لاحظ عناصر الإجراء: هي المشبه والمشبه به والقرينة والجامع ونوع الاستعارة.
قسما الاستعارة باعتبار أحد طرفيها (5)
من أمثلة الاستعارة المكنية:
وإذا العناية لاحظتك عيونــــها   نم فالمخاوف كلهن أمانُ
”إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها“.
تملّ الحصونُ الشمّ طول نزالنا   وتلقي إلينا أهلها وتزول
لا تعجبي يا سلم من رجل                  ضحك المشيب برأسه فبكى
قسما الاستعارة باعتبار الاشتقاق والجمود (1)
1- الاستعارة الأصلية: هي ما كان اللفظ المستعار أو الذي جرت فيه اسم جنس غير مشتق.
من اسماء الجنس غير المشتقة:
اسم ذات مثل: أسد.
اسم معنى مثل: القتل والضرب.
اسم جنس حقيقة مثل: إنسان، وحيوان.

قسما الاستعارة باعتبار الاشتقاق والجمود (2)
مثال الاستعارة الأصلية:
يا قمراً أبرزه مأتم                 يندب شجواً بين أتراب
الإجراء:         شبه الشاعر هنا (المرأة) بـ(القمر) فذكر المشبه به وحذف المشبه، وأبقى شيئاً من لوازمه قرينة لفظية (يندب) بجامع البياض على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
قال المتنبي يصف قلماً:
                   يمجّ ظلاماً في نهار لسانه        ويفهم عمن قال ما ليس يسمع
وقال يمدح سيف الدولة:
          أحبكَ يا شمس الزمان وبدره              وإن لامني فيك السها والفرقد
-
قسما الاستعارة باعتبار الاشتقاق والجمود (3)
2- الاستعارة التبعية: هي ما كان اللفظ المستعار أو الذي جرت فيه اسماً مشتقاً أو فعلاً.
مثالها:
قال شاعر يصف زهراً في حديقة:
                   أنتَ في خضراء ضاحكة          من بكاء العارض الهتن
الإجراء:         شبه الشاعر هنا (تفتح الزهر) بـ(ضاحكة) فذكر المشبه به وحذف المشبه، وأبقى شيئاً من لوازمه قرينة لفظية (خضراء) بجامع البياض على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
قسما الاستعارة باعتبار الاشتقاق والجمود (4)
وقال البحتري يصف قصراً:
          ملأت جوانبه الفضاء وعانقت    شرفاته قطع السحاب الممطر
وقوله تعالى: ”ولما سكت عن موسى الغضب“.
ملحوظات مهمة
                   علينا أن نلحظ أن قرائن الاستعارات التي تكون بالفعل أو بالمشتقات التي تعمل عمل فعلها كما ورد في الاستعارات التبعية يمكن أن تكون استعارات مكنية، غير أنه لا يجوز لنا أن نجري الاستعارة في كليهما معاً بل في واحدة منهما. لا حظ الشواهد الآتية:
لا تعجبي يا سلم من رجل                  ضحك المشيب برأسه فبكى
ملأت جوانبه الفضاء وعانقت    شرفاته قطع السحاب الممطر
وقوله تعالى: ”ولما سكت عن موسى الغضب“.
جمع الحق لنا في إمام            قتل البخل وأحيا السماحا
أولاً- أقسام الاستعارة باعتبار ما يلائم طرفيها.
1- الاستعارة المرشحة.
2- الاستعارة المجردة.
3- الاستعارة المطلقة.
 ثانياً- الاستعارة المفردة والاستعارة التمثيلية.
أقسام الاستعارة باعتبار ما يلائم طرفيها (1)
          تنقسم الاستعارة باعتبار ما يلائم أحد طرفيها ثلاثة أقسام، ونقصد بالملائم الصفات التي تذكر مع اللفظ المستعار وهي تلائم أحد طرفي الاستعارة (المشبه أو المشبه به) أو تلائم الطرفين معاً على أن لا تكون القرينة داخلة في هذه الصفات.
كما في قول الشاعر:
          وعد البدر بالزيارة ليلاً  فإذا ما وفى قضيت نذوري
الاستعارة هنا في لفظ (البدر) وهو المشبه به والقرينة الدالة على أنه استعارة هي (وعد) وهي لازمة للمشبه وهو (الفتاة) بجامع الاستدارة. ولو بحثنا عن صفات تلائم أحد طرفيها في البيت لوجدناها في (الزيارة والوفاء) وهما صفتان متوفرتان في المشبه (المرأة).
الاستعارة المجردة
أقسامها هي:
1- الاستعارة المجردة: هي الاستعارة التي يذكر معها صفات تلائم المشبه دون المشبه به، وسميت بالمجردة لتجريدها عن بعض المبالغة، إذ يبعد المشبه بالمبالغة عن المشبه به فيبعد دعوى الاتحاد الذي هو مبنى الاستعارة.     مثالها: قول الشاعر:         
          وليلة مرضت من كل ناحية                فما يضيء لها نجم ولا بدر
المشبه (ليلة) المشبه به (الإنسان) والقرينة هي (مرضت) وجامعها انطفاء معالم الحياة. والصفات التي تلائم المشبه هي (فما يضيء لها نجم ولا بدر) وليس هنا ما يلائم المشب به.
ومنه:  وغيبت النوى الظبياتِ عني       فساعدت البراقعَ والحجالا
          - لحافي لحافُ الضيف والبيتُ بيته                 ولم يلهني عنه غزالٌ مقنّعُ
الاستعارة المرشحة
2- الاستعارة المرشحة: هي التي يذكر معها صفات تلائم المشبه به دون المشبه.
مثاله: يا أيها الملك الذي في ظله          ريض الزمان فذلّ منه قياد
المشبه (الزمان) المشبه به (الحيوان أو البعير) والقرينة هي (ريض) وجامعها الجموح في كل منهما. والصفات التي تلائم المشبه به هي في (فذل منه قياد) وليس هنا ما يلائم المشبه.
وإذا نظرنا للاستعارة من حيث طرفاها فهي مكنية، ومن حيث الاشتقاق والجمود فهي أصلية.
ومثال الاستعارة المرشحة, قوله تعالى: ”أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم“.
أهمية الاستعارة المرشحة:
يعتبر الكلام المشتمل على الترشيح أقوى وأبلغ من المشتمل على الإطلاق والتجريد، لاشتماله على تقوية المبالغة وكمالها فإن المحور الذي يدور عليه الترشيح إنما هو تناسي التشبيه، وادعاء أن المشبه هو المشبه به نفسه وكأن الاستعارة غير موجودة.
انظر للاستعارات الآتية:
أتتني الشمس زائرة               ولم تك تبرح الفلكا
كبرت حول ديارهم لما بدت                منها الشموس وليس فيها المشرق
3- الاستعارة المطلقة: هي التي خلت من الصفات التي تلائم المشبه والمشبه به، أو هي التي ذكرت فيها صفات تلائم الطرفين معاً.
 مثال التي تخلو من الصفات قول الشاعر:
          قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم             طاروا إليه زرافات ووحدانا
شبه الشاعر الشر بالحيوان المفترس والقرينة الدالة على المحذوف هو ناجذيه، ولو بحثنا عن الصفات التي تلائم أحد الطرفين لما وجدناها؛ لذلك فهي مطلقة.
ومثاله قول المتنبي يخاطب ممدوحه:
                   يا بدرُ، يا بحرُ، يا غمامةُ يا ليثُ، يا حِمامُ، يا رجلُ
ومثال الاستعارة التي تذكر معها صفات تلائم الطرفين، قول زهير بن أبي سلمى:
          لدى أسد شاكي السلاح مقذف   له لبد أظفاره لم تُقَلَّمِ
شبه الشاعر الممدوح بالأسد والقرينة الدالة على ذلك قرينة عقلية، وقد جاءت صفات تلائم المشبه (الممدوح) وهي (شاكي السلاح مقذف) وصفات تلائم المشبه به (أسد) وهي (له لبد أظفاره لم تُقَلَّمِ).
الاستعارة المفردة والاستعارة التمثيلية (1)
تنقسم الاستعارة من جهة الإفراد والتركيب قسمين: مفردة ومركبة.
1- الاستعارة المفردة: هي ما جرت في اللفظ الواحد كما مرّ في كل الشواهد الشعرية والقرآنية فيما مر من هذه المحاضرة والمحاضرة السابقة.
2- الاستعارة المركبة أو التمثيلية: هي الاستعارة التي يكون المستعار فيها مركباً، وقد عرَفها البلاغيون: ”إنها تركيب استعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي“.
الاستعارة المفردة والاستعارة التمثيلية (2)
كما في قول المتنبي:
ومن يك ذا فم مُرٍّ مريض         يجد مُراً به الماء الزلالا
المعنى الحقيقي لهذا التركيب هو أن حاسة الذوق عند الإنسان إذا كانت لا تعمل بصورة صحيحة لمرض فيه ، فإنه يجد أي سائل يدخل فمه مراً حتى ولو كان ماء عذباً. والمتنبي يستخدم هذا البيت استخداماً مجازياً فهو يعني الإنسان الذي فقد نعمة الذوق الأدبي فلم يقدر الشعر الرائع الجميل حق قدره، والعلاقة بين المعنيين علاقة المشابهة، وقد حذف المشبه المركب وهو الإنسان الذي لا يميز الشعر الرديء من الشعر الجيد.
الاستعارة المفردة والاستعارة التمثيلية (2)
- ومثاله قول الشاعر: ومن ملك البلاد بغير حرب         يهون عليه تسليم البلاد
(يقال لمن ورث المال بدون جهد وبدده من غير حساب).
عاد السيف إلى قِرابه             وحل الليثُ منيعَ غابه
          (تقال لمجاهد عاد إلى وطنه بعد غياب).
 
الاستعارة التمثيلية بين تشبيه التمثيل والتشبيه الضمني.
قد يخلط بعض الطلاب الاستعارة التمثيلية بتشبيه التمثيل والتشبيه الضمني؛ لذلك يجب الانتباه إلى ما بينها من فروقات.
فتشبيه التمثيل: يقوم على وجود تركيبين متشابهين صراحة، نجو قول بشار:
          كأن مثار النقع فوق رءوسنا              وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
فالصورة المركبة الأولى تمثل جو المعركة القاتم الذي تلمع فيه السيوف وتتطاير الشرارات المنبعثة منها وهي المشبه.
والصورة المركبة الثانية تمثل الليل المليء بالكواكب التي تتساقط وهي المشبه به.
نلحظ أن طرفي التشبيه ظاهران ملحوظان لفظاً.
الاستعارة التمثيلية بين تشبيه التمثيل والتشبيه الضمني
أما التشبيه الضمني: فيقوم على وجود تركيبين متشابهين لكن التشابه فيهما ملحوظ ضمناً، لا تصريحاً. نحو قول المتنبي:
ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم        وللسيف حد حين يسطو ورونق
الصورة الأولى مركبة وهي تمثل الممدوح ضاحكاً مقبلاً على الأبطال من أعدائه وفي الوقت نفسه يخيفهم. وهي تمثل المشبه.
الصورة الثانية مركبة أيضاً تمثل صورة السيف القاطع بحدة المرهف والذي له لمعان أخاذ. وهي تمثل المشبه به.
نلحظ أن طرفي التشبيه ظاهران ومعنى المشابهة الناشئ بينهما ملحوظ ضمنياً لا لفظياً.
الاستعارة التمثيلية بين تشبيه التمثيل والتشبيه الضمني
أما الاستعارة التمثيلية، فتقوم أيضاً على صورتين مركبتين، متشابهتين ضمناً، ولكن عبارة الاستعارة لا تتضمن وجود المشبه؛ أي أن الحالة الأصلية (المشبه)لا ترد في الاستعارة التمثيلية، وإنما ترد العبارة المستعارة التي تُشَبَّهُ بها، نحو قول الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد     ويُنكر الفمُّ طعمَ الماء من سقم
في هذا القول استعارتان تمثيليتان، تنهضان على تشبيه حالة لم تذكر، وهي حالة الإعراض عن رؤية الحق مرة بحالة الأرمد الذي يفقد النظر، فلا يرى ضوء الشمس. ومرة بحالة المريض الذي يفقد الإحساس فلا يقدر على تذوق الأشياء.
نلحظ في هاتين الاستعارتين التمثيليتين أن أحد طرفي التشبيه في كل منهما محذوف وهو المشبه.
الكناية
       مفهوم الكناية
الكناية: هي لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى.
مثاله: بعيدة مهوى القُرط إمّا لنوفلٍ      أبوها، وإمّا عبد شمس وهاشمُ
اللفظ المطلق هنا هو: (بعيدة مهوى القرط). وهذا يسميه البلاغيون (المكنى به).
المعنى الملازم للفظ المطلق هو (طويلة العنق), وهذا يسميه البلاغيون (المكنى عنه).
ويجوز أن نقول: بعيدة مهوى القرط طويلة العنق.
الكناية عن صفة(1)
1- الكناية عن صفة: وهي إطلاق اللفظ يراد به الصفة الملازمة له.
مثاله قول الخنساء في أخيها صخر:
          طويل النجاد رفيع العماد          كثير الرماد إذا ما شتا
في البيت ثلاث كنايات وضعنا تحت كل منه خطاً.
الأولى- (طويل النجاد) وهو لفظ يعني أن حمالة السيف طويلة، وهذه الحمالة لا يرتديها إلا من هو قامته مناسبة لها، وهذا يعني أن صاحبها قامته طويلة. فالمعنى المكنى عنه هنا هو (طول القامة) وهذا المعنى هو صفة، فالكناية هي كناية عن صفة.
كناية عن صفة (2)
الثانية- (رفيع العماد) وهي كناية عن صفة (السيادة) لأن البيت الذي عمده مرتفع يتميز من بيوت الناس في الحي، وهذا يعني أن صاحبه متميز من غيره من أصحاب البيوت، ومن هو متميز من قومه فهو سيدهم.
الثالثة- (كثير الرماد إذا ما شتا) وهي كناية عن الكرم. ونستطيع أن نستنتجها من عدة وسائط كما في الكنايتين السابقتين.
ومثالها: فمسّاهم وبسطهم حرير                   وصبحهم وبسطهم تراب
وما يك فيَّ من عيب فإني                  جبان الكلب، مهزول الفصيل
الكناية عن صفة (3)
قال نصيب بن رباح في مدح عبد العزيز بن مروان:
          لعبدِ العزيز على قومه   وغيرهم مِننٌ ظاهره
          فبابُكَ أسهلُ أبوابهم               ودارك مأهولةٌ عامره
          وكلبُكَ آنسُ بالزائرين    من الأُم بابنتها الزائره
الكناية عن موصوف (1)
2- الكناية عن موصوف: وهي إطلاق الصفة يراد بها الموصوف بها.
مثالها: الضاربين بكل أبيض مخذم        والطاعنين مجامع الأضغان
أطلق الشاعر هنا لفظ الصفة (مجامع الأضغان) وأراد بها موصوفها وهو القلوب.
ومنها: فلما شربناها ودب دبيبها                   إلى موطن الأسرار قلت لها: قفي
قال شاعر في فضل دار العلوم في إحياء لغة العرب:
          وجدتْ فيكِ بنتُ عدنان داراً                ذكَّرَتْها بداوةَ الأعراب
ودبّت في موطن الحلم علّةٌ                لها كالصّلال الرُّقش شرّ دبيب
كناية عن موصوف (2)
ولي بين الضلوع دم ولحم                 هما الواهي الذي ثكِلَ الشبابا
ومن في كفه منهم قناة           كمن في كفه منهم خضاب
سليلُ النار دقَّ ورقَّ حتى                  كأنَّ أباه أورثه السُلالا
الكناية عن نسبة (1)
3- الكناية عن نسبة: وهي التي يراد بها إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه، وبها تذكر الصفة والموصوف ولا يصرح بالنسبة الموجودة مع أنها هي المقصودة.
مثالها: فما جازه جود ولا حلّ دونه      ولكن يسير الجود حيث يسير
أراد الشاعر هنا أن يصف ممدوحه بالكرم والجود، ولكنه نسب الكرم والجود إلى المكان ولم ينسبه إلى صاحبه، وهذا كناية عن نسبة الكرم إلى ممدوحه.
ومثاله أيضاً:
          - يبيت بمنجاة من اللوم بيتها              إذا ما بيوت بالملامة حلّت
أقسام الكناية باعتبار المكنى عنه (5)
إن السماحة والمروءة والندى   في قبة ضربت على ابن الحشرج
اليمن يتبع ظله  والمجد يمشي في ركابه
الفرق بين الكناية والمجاز والاستعارة

ثمة تشابه وفروق بين الكناية والمجاز والاستعارة، هي:
1-  الكناية تشبه المجاز والاستعارة بأن لها معنى مستخدماً ومعنى ملازماً له.
          أما الكناية فلها مكنى به وهو يقابل اللفظ المجازي المستخدم والكناية لها مكنى عنه محذوف وهو يقابل المعنى المحذوف في المجاز والاستعارة.
2- تفترق الكناية عن المجاز والاستعارة في أن المعنى المحذوف (المكنى عنه) في الكناية يجوز أن يذكر معها، في حين أن المجاز والاستعارة لا يجوز ذكر معناها المحذوف.
3- ويفترق المجاز والاستعارة عن الكناية أن فيهما قرينة مانعة من ذكر المعنى المحذوف، في حين لا نجد مثل هذا في الكناية.